للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبقراط، وأكثر أمراضهم هي الفضلية، أعني العفنة من أخلاط صفراوية وبلغمية، على ما يشاكل مزاج/ أرضهم (١).

قال (a): وما ذكرناه فيما تقدّم يوجب حدوث الأمراض كثيرا، إلاّ أنّ مشاكلة هذه بعضها بعضا، واتّفاقها في سنة واحدة، تمنع من أن تكون في أنفسها ممرضة حتى لزمت العادة، فأمّا إذا خرجت عن عادتها، فهي تحدث مرضا، وخروجها عن عادتها بمصر هو الذي أعدّه اختلافا ممرضا، لا الاختلاف الموجود فيها على الدّائم.

والنّيل ليس يحدث في الأبدان كلّ سنة مرضا، ولكنّه إذا أفرطت زيادته، ودام مدّة تزيد على العادة، كان ذلك سببا لحدوث المرض الوافد.

فإن قيل: إذا كانت أبدان الناس بأرض مصر من السّخافة - على ما ذكرت - فلعلّها في مرض دائم؛ فالجواب: لسنا نبالي في هذا (b) كيف كان؛ لأنّ المرض هو ما يضرّ بالفعل ضررا محسوسا من غير توسّط، فمن أجل ذلك ليست (c) أبدان المصريين في مرض دائم، ولكنّها كثيرة الاستعداد نحو الأمراض (٢).

قال (٣): أمّا أمراض مصر البلديّة فقد ذكرنا من أمرها ما فيه كفاية، وظهر أنّ أكثرها الأمراض الفضلية التي يشوبها صفراء وخام، على أنّ باقي الأمراض تحدث عندهم بسرعة وقرب، وخاصّة في آخر الخريف وأوّل الشّتاء.

وأمّا الأمراض الوافدة ومعنى المرض الوافد هنا (a)، هو ما يعمّ خلقا كثيرا في بلد واحد وزمان واحد، ومنه نوع يقال له: الموتان، وهو الذي يكثر معه الموت. وحدوث الأمراض الوافدة يكون عن أسباب كثيرة تجتمع في أجناس أربعة، وهي: تغيّر كيفيّة الهواء، وتغيّر كيفيّة الماء، وتغيّر كيفيّة الأغذية، وتغيّر كيفيّة الأحداث النّفسانية.

والهواء (d) تتغيّر كيفيّته على ضربين: أحدهما تغيّره الذي جرت به العادة، وهذا لا يحدث مرضا وافدا، وليس تغيّرا ممرضا. والثاني التّغيّر الخارج عن مجرى العادة، وهذا هو الذي يحدث


(a) ساقطة من بولاق.
(b) بولاق: بهذا.
(c) الأصل وبولاق: ليس والتصويب من ابن رضوان.
(d) بولاق: فالهواء.
(١) ابن رضوان: دفع مضار الأبدان ١٤٧.
(٢) نفسه ١٥٠ - ١٥١.
(٣) نفسه ١٧١.