المرض الوافد، وكذلك الحال في الأجناس الباقية. وخروج تغيّر الهواء عن عادته يكون إمّا بأن يسخن أكثر أو يبرد أو يرطب أو يجفّ أو يخالطه حال عفنيّة (a). والحالة العفنية (a) إمّا أن تكون قريبة أو بعيدة، فإنّ أبقراط وجالينوس يقولان: إنّه ليس يمنع مانع من أن يحدث ببلد اليونانييّن مرض وافد عن عفونة اجتمعت في بلاد الحبشة، وتراقت إلى الجوّ وانحدرت على اليونانيين، فأحدثت فيهم المرض الوافد.
وقد يتغيّر أيضا مزاج الهواء عن العادة، بأن يصل وفد كثير قد أنهك أبدانهم طول السّفر وساءت أخلاطهم، فيخالط الهواء منها شيء كثير، ويقع الإعداء في الناس، ويظهر المرض الوافد.
والماء أيضا قد يحدث المرض الوافد، إمّا بأن يفرط مقداره في الزّيادة أو النّقصان، أو يخالطه حال عفنية، ويضطرّ الناس إلى شربه، ويعفن به أيضا الهواء المحيط بأبدانهم، وهذه الحال تخالطه إمّا قريبا أو بعيدا، بمنزلة ما يمرّ في جريانه بموضع جرب (b) قد اجتمع فيه من جيف الموتى شيء كثير، أو بمياه نقائع (c) عفنة فيحدرها معه ويخالط جسمه.
والأعذية تحدث المرض الوافد، إمّا إذا لحقها اليرقان وارتفعت أسعارها واضطرّ الناس إلى أكلها، وإمّا إذا أكثر الناس منها في وقت واحد كالذي يكون في الأعياد فيكثر فيهم التّخم، ويمرضون مرضا متشابها، وإمّا من قبل فساد مرعى الحيوان الذي يؤكل، أو فساد الماء الذي يشرب.
والأحداث النّفسانية تحدث المرض الوافد متى حدث في النّاس خوف عام من بعض الملّوك، فيطول صبرهم (d) وتفكّرهم في الخلاص منه وفي وقوع البلاء، فيسوء هضم أجوافهم (e) وتتغيّر حرارتهم الغريزية، وربّما اضطرّوا إلى حركة عنيفة في هذه الحال، أو يتوقّعون قحط بعض السّنين، فيكثرون الحركة والاجتهاد في ادّخار الأشياء، ويشتدّ غمّهم بما سيحدث.
فجميع هذه الأشياء تحدث في أبدان الناس المرض الوافد، متى كان المتعرّض لها خلق كثير في بلد واحد ووقت واحد. وظاهر أنّه إذا كثر في وقت واحد المرضى بمدينة واحدة، ارتفع من أبدانهم بخار كثير فيتغيّر مزاج الهواء، فإذا صادف بدنا مستعدّا أمرضه، وإن كان صاحبه لم يتعرّض لما يتعرّض إليه الناس.