وواضح من تحديد عدد الطّلبة إلى المتصوّفة، وهو ١٢٥ طالبا و ٦٠ صوفيّا، أنّ المبنى اعتبر مدرسة أضيفت إليها أنشطة التّصوّف.
ويصدق هذا الوصف كذلك على «المدرسة الأشرفيّة» التي بدأ في إنشائها، سنة ٧٧٧ هـ/ ١٣٧٥ م، السّلطان الشّهيد الملك الأشرف شعبان بن حسين، ولم تكمل عمارتها، على الصّوّة مقابل باب القلعة على رأس سويقة المشبّب والتّبّانة. وأراد أن يضاهي بها مدرسة عمّه السّلطان حسن فبنى بها إيوانا كبيرا جاء عقد قبوه أوسع من قبو مدرسة السّلطان حسن (فيما يلي ٦٦١).
وجاء في وقفيّة المصحف الذي وقفه السّلطان الأشرف شعبان على المدرسة وصفها ب «الخانقاه والمدرسة والجامع الأشرفي»(فيما يلي ٦٦١ هـ ٣)، يؤيّد ذلك ما ذكره المقريزي وأبو المحاسن من أنّ السّلطان الأشرف شعبان «أخلع، وهو نازل بسرياقوس، في شوّال سنة ٧٧٨ هـ/ ١٣٧٦ م، على الشّيخ ضياء الدّين القرمي الحنفي باستقراره شيخ شيوخ المدرسة التي أنشأها بالصّوّة، وقد أشرفت على الفراغ، وأبطل هذا اللّقب من متولّي مشيخة خانكاه سرياقوس»(١). ولكنّ عدم إكمال بناء المدرسة ثم نقضها في أيّام النّاصر فرج وبناء المؤيّد شيخ لمارستانه في موضعها بعد ذلك (فيما يلي ٧٠٢)، أضاع علينا معرفة الشّكل الذي كانت عليه هذه «الخانكاه المدرسة الجامع»، وهي بذلك تسبق المجمّع الذي ضمّ خانكاه ومدرسة وجامع الظّاهر برقوق.
وقيام مثل هذه المنشآت في قلب المدينة الفاطمية يظهر بوضوح مدى اندماج التّصوّف في الحياة المدنية القاهرية، وأنّ المتصوّفة بدأوا يتابعون نظام المدرسة؛ ممّا أكسبهم تعليما دنياويّا مكّنهم من تحسين مجرى نشاطهم؛ وفي الوقت نفسه اكتسب الطّلبة معلومات عن المدخل الصّوفي للدّين من خلال معايشتهم للصّوفيّة. وعن طريق هذا الدّمج تخلّت مؤسسة التّصوّف جزئيّا عن طبيعتها الانعزالية (٢).
وأطلق الرّحّالة المغربي ابن بطّوطة - الذي زار القاهرة في أثناء عهد النّاصر محمد بن قلاوون - على «خوانك» القاهرة اسم «الزّوايا»، باعتباره الاسم الشّائع في شمال أفريقيا للدّلالة على هذه المؤسّسة، وقدّم لنا وصفا غنيّا لما كان يدور بداخلها يقول:
(١) المقريزي: السلوك ٢٧٣: ٧ - ٢٧٤؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٧٠: ١١؛ وانظر فيما يلي ٧٢٨ - ٧٢٩، ٧٦٦. (٢) Behrens-Abouseif، op.cit.، p. ٨٤.