للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

«وأمّا الزّوايا فكثيرة، وهم يسمّونها الخوانق - واحدتها خانقاه - والأمراء بمصر يتنافسون في بناء الزّوايا، وكلّ زاوية بمصر معيّنة لطائفة من الفقراء وأكثرهم الأعاجم، وهم أهل أدب ومعرفة بطريقة التّصوّف، ولكلّ زاوية شيخ وحارس، وترتيب أمورهم عجيب. ومن عاداتهم في الطّعام أنّه يأتي خادم الزّاوية إلى الفقراء صباحا فيعيّن له كلّ واحد ما يشتهيه من الطّعام، فإذا اجتمعوا للأكل جعلوا لكلّ إنسان خبزه ومرقه في إناء على حدة لا يشاركه فيه أحد. وطعامهم مرّتان في اليوم، ولهم كسوة الشّتاء وكسوة الصّيف، ومرتّب شهري من ثلاثين درهما للواحد في الشّهر إلى عشرين، ولهم الحلاوة من السّكّر في كلّ ليلة جمعة، والصّابون لغسل أثوابهم، والأجرة لدخول الحمّام، والزّيت للاستصباح. وهم أعزاب، وللمتزوّجين زوايا على حدة. ومن المشترط عليهم حضور الصّلوات الخمس والمبيت بالزّاوية واجتماعهم بقبّة داخل الزّاوية.

ومن عاداتهم أن يجلس كلّ واحد منهم على سجّادة مختصّة به. وإذا صلّوا صلاة الصّبح قرأوا «سورة الفتح» و «سورة الملك» و «سورة عمّ»، ثم يؤتى بنسخ من القرآن العظيم مجزّأة فيأخذ كلّ فقير جزءا ويختمون القرآن ويذكرون. ثم يقرأ القرّاء على طريقة أهل المشرق، ومثل ذلك يفعلون بعد صلاة العصر. ومن عاداتهم مع القادم أنّه يأتي باب الزّاوية فيقف به مشدود الوسط وعلى كاهله سجّادة وبيمناه العكّاز وبيسراه الإبريق فيعلم البوّاب خادم الزّاوية بمكانه، فيخرج إليه ويسأله من أي البلاد أتى؟ وبأي الزّوايا نزل في طريقه؟ ومن شيخه؟ فإذا عرف صحّة قوله أدخله الزّاوية وفرش له سجّادته في موضع يليق به، وأراه موضع الطّهارة، فيجدّد الوضوء، ويأتي إلى سجّادته فيحل وسطه ويصلّي ركعتين، ويصافح الشّيخ ومن حضر ويقعد معهم.

ومن عاداتهم أنّه إذا كان يوم الجمعة أخذ الخادم جميع سجاجيدهم فيذهب بها إلى المسجد ويفرشها لهم هنالك. ويخرجون مجتمعين ومعهم شيخهم فيأتون المسجد ويصلّي كلّ واحد على سجّادتهم، فإذا فرغوا من