وقد أوضحت حجّة الوقف وظائف المبنى بوضوح، فذكرت «أنّ الإيوان القبلي الذي بصدره المحراب، والإيوان البحري المقابل له، جعلهما مسجدين للّه تعالى تقام بهما الصّلوات وتصلّى فيهما الجماعات، ويعتكف فيهما على الطّاعات والعبادات … وأمّا الإيوانان الشّرقي والغربي اللذان بدور القاعة المذكورة فإنّه وقفهما ليشتغل فيهما بالعلم الشّريف ويصلّى فيهما على العادة، وجعل حكمهما حكم المدارس»(١).
وبما أنّ البناء الذي شيّده الظّاهر برقوق كان جامع خطبة ومدرسة وخانكاه في آن واحد، فإنّ خلاوي (بيوت) الصّوفية لم تكن تشرف على الصّحن ذي التّخطيط المتعامد الذي كان يشغله مكان الصّلاة والمدارس (مثلما كان الحال مثلا مع الخانقاه البيبرسية وخانقاه شيخو)، وإنّما كانت تقع في أركان المبنى وتطلّ على الدّهاليز والممرّات الدّاخلية، كما أنّ ثمانية وأربعين من خلاويها (بيوتها) كانت بغير شبابيك وتستمدّ إضاءتها من أبوابها (٢)؛ ويرجع السّبب في ذلك إلى وقوع هذا المبنى في وسط منطقة مكتظّة في قلب المدينة الفاطمية، الأمر الذي لم يسمح بإيجاد فراغات في واجهاته لهذا الغرض.
ووصفت حجّة الوقف كذلك مكان السّكن بالمدرسة الخانقاه ب «الرّبع»، وهو مصطلح يستخدم أساسا في العمارة للتّعبير عن مبنى سكني، ومع ذلك فقد استخدمت بدلا من مصطلح «طبقة» - الذي يطلق عادة على وحدات الرّبع - مصطلح «بيت»(٣)، وهو مصطلح تستخدمه عادة حجج الأوقاف بالتّبادل مع مصطلح «خلوة» للإشارة إلى أماكن السّكن بالمدارس والخوانك.
وعلاوة على ذلك وجد بالمنشأة غرف أكثر اتّساعا خصّصت للمدرّسين والشّيوخ، حيث ذكرت الحجّة أنّ «القاعة الموجودة بأقصى الدّهليز المتوصّل منه إلى المدرسة قد أرصدت لشيخ الدّرس والصّوفيّة الحنفي المذهب ينتفع بذلك بالسّكن دون الإسكان»، كما خصّص «الرّواق المتوصّل إليه من الدّهليز الأوّل المتوصّل منه إلى قاعة الخدّام وما هو من صفوفه لسكنى من يراه النّاظر من أرباب الوظائف بالمدرسة»(٣)؛ وذلك بالإضافة إلى إسطبلين للخيول: أحدهما لإقامة دوابّ شيخ الصّوفيّة بالمدرسة، والثاني لإقامة ما لعلّه يكون لهذا الوقف من الدّواب (٤).
(١) Lamei Mustafa، S.، op.cit.، ١٢٤ (٢) Ibid.، p. ١٢٣. (٣) Ibid.، p. ١٢٥ (٤) Ibid.، p. ١٢٦