وأدّى انتشار التّصوّف في القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي واندماجه في الحياة الدّينية الشّعبية إلى التّراجع التّدريجي لدور الخوانك كمكان للانعزال، في الوقت نفسه الذي فتحت فيه الجوامع والمدارس أبوابها للممارسات الصّوفيّة. لذلك جمعت العديد من المنشآت الدّينية التي أنشئت في القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي بين وظيفتي المدرسة والخانكاه، وذكر المقريزي خمسا منها تحت المدخلين. وأقدم هذه المؤسّسات «المدرسة الجاوليّة» على جبل يشكر (٧٠٣ هـ/ ١٣٠٣ م)، التي لا يقدّم لنا النّصّ التأسيسي للمبنى أيّ توضيح إضافي لوظيفته، فتخطيط المبنى المكوّن من إيوان مفرد تحيط به من الجهات الأخرى خلاو، تصميم شاذّ عن تصميم المساجد والمدارس ويؤكّد أنّه أقرب إلى تصميم الخوانك وأنّه أضيف إليه فيما بعد دروس في الفقه (١).
ويصدق الشيء نفسه على خانكاه مغلطاي (٧٣٠ هـ/ ١٣٢٩ م)، وهو أيضا ذو تصميم غريب عبارة عن صحن مكشوف مربّع الشّكل يحيط به إيوان مفرد ومن الجهات الأخرى عقود ستّينيّة كبيرة. ومن جهة أخرى فإنّ خانقاه آقبغا الملحق بالجامع الأزهر (٧٤٠ هـ/ ١٣٤٠ م) هو في الأصل مدرسة أضيف إليها حضور الصّوفية؛ مثلما حدث مع «جامع شيخو»(٧٥٠ هـ/ ١٣٤٩ م)؛ الذي جعل فيه منشئه «خطبة» وعشرين صوفيّا … ثم لمّا عمّر الخانقاه تجاه الجامع نقل حضور الصّوفيّة إليها وزاد عدّتهم (فيما يلي ٢٥٨)(٢). والخانكاه الرّابعة التي ذكرها المقريزي في المدارس هي:«الخانكاه المهمندارية»(٧٢٥ هـ/ ١٣٢٥ م). أمّا الخانكاه الخامسة والأخيرة فهي «الخانكاه الظّاهريّة» التي أنشأها السّلطان الظّاهر برقوق ببين القصرين، ووصفتها حجّة وقف الظّاهر برقوق ب «الخانقاه المدرسة» و «المدرسة الخانقاه»(٣)، ويقول عنها المقريزي:«واستقرّت جامع خطبة لإقامة الجمعة بها، وخانكاه، ودروس علم أربعة للفقه في المذاهب الأربعة ودرس تفسير ودرس حديث ودرس قراءات»(فيما يلي ٦٨٦) كان يحضره كلّ من الطّلبة والمتصوّفة، واشتمل المجمّع البنائي كذلك على قبّة ضريحية لدفن المنشئ (رغم أنّه أوصى بعد ذلك بدفنه في الصّحراء).
(١) Behrens-Abouseif، D.، op.cit.، p. ٨١؛ حسن عبد الوهاب: تاريخ المساجد الأثرية ١٢٥. (٢) Ibid.، p. ٨١. (٣) حجّة وقف السّلطان برقوق، نشر أجزاء منها صالح لمعي مصطفى Lamei Mustafa، S.، Madrasa، Hanqah und Mausoleum des Barquq in Kairo، Gluckstadt ١٩٨٢، pp. ١٢٤، ١٢٥، ١٣٣، ١٣٤، ١٣٥.