الأولى التي درّست المذاهب الفقهية الأربعة والتي وصلت إلينا آثارها، وهي: المدرسة المستنصرية في بغداد (٦٣١ هـ/ ١٢٣٤ م)، والمدرسة الصّالحيّة في القاهرة (٦٤١ هـ/ ١٢٣٤ م) لم يكن متعامدا. فالأولى كانت تتألّف من أربعة إيوانات غير متجانسة تحيط بصحن مستطيل (١). بينما تكوّنت الثّانية من كتلتين من المباني كلّ منها عبارة عن صحن وإيوانين معقودين بقبو دائري مدبّب يفصلهما دهليز بطول ٢٨ مترا وعرض ٢١ مترا من وسط الواجهة. فكانت الظّاهرة التي ميّزت العمارة الأيّوبية في القاهرة، إضافة إلى استحداث نظام المدرسة، هي ظهور «الأواوين» في تخطيط العمارة الدّينية (٢)
ولم يجتمع تدريس المذاهب الفقهيّة السّنّيّة الأربعة في مصر في مبنى واحد، بعد المدرسة الصّالحيّة، إلاّ عند ظهور المدرسة ذات التّخطيط المتعامد Cruciform Plan. وتعدّ «المدرسة النّاصريّة محمد بن قلاوون»، التي افتتحت سنة ٧٠٣ هـ/ ١٣٠٣ م، أوّل مدرسة في مصر ذات تخطيط متعامد درّس بها الفقه على المذاهب الأربعة (المالكي بالإيوان القبلي الكبير، والحنبلي بالإيوان الغربي، والحنفي بالإيوان الشّرقي، والشّافعي بالإيوان البحري)(فيما يلي ٥٣٠)، أي أنّها جمعت بين التّخطيط المتعامد شكلا والمذاهب الأربعة وظيفة. أمّا «المدرسة الظّاهريّة العتيقة» التي شيّدها السّلطان الظّاهر بيبرس وافتتحت قبل ذلك بنحو أربعين عاما، سنة ٦٦٢ هـ/ ١٢٦٣ م، فتعدّ أوّل مدرسة ذات تخطيط متعامد في مصر، لكنّها لم تدرّس الفقه فقط، إذ خصّص إيوانها القبلي لتدريس الفقه على المذهب الشّافعي، وإيوانها البحري لتدريس الفقه على المذهب الحنفي، بينما خصّص إيوانها الشّرقي لتدريس علوم الحديث، وإيوانها الغربي لإقراء القراءات السّبع.
(فيما يلي ٥٠٦ - ٥٠٨).
وذهب كريزويل Creswell إلى أنّه إذا كانت أوّل مدرسة لتدريس المذاهب الفقهيّة الأربعة هي: مستنصريّة بغداد، فإنّ أوّل مدرسة ذات تخطيط متعامد - وهي «المدرسة الظّاهريّة العتيقة» -
(١) ابن الفوطي: كتاب الحوادث، حققه وضبط نصّه بشّار عوّاد معروف وعماد عبد السلام رؤوف، بيروت - دار الغرب الإسلامي ١٩٩٧، ٨٠ - ٨٦؛ كوركيس عواد: «المدرسة المستنصرية ببغداد»، مجلة سومر ١ (١٩٤٥)، ٧٦ - ١٢٠؛ ناجي معروف: تاريخ علماء المستنصرية، بغداد ١٩٦٥؛ أحمد فكري: مساجد القاهرة ١١٥: ٢ - ١١٦، ١٥٦ - ١٦٠. (٢) أحمد فكري: «خصائص عمارة القاهرة في العصر الأيوبي»، أبحاث الندوة الدولية لتاريخ القاهرة ١٦٧: ١ - ١٦٨؛ صالح لمعي: التراث المعماري في مصر ١٧.