يصدر الأمر بتعيين مدرّسيها بناء على اقتراح الوزير. ونظرا لأنّ الذي تولّى التّدريس بها هو الفقيه أبو الطّاهر بن عوف المالكي فقد عرفت في المصادر أيضا باسم «المدرسة العوفيّة».
وحفظ لنا القلقشندي نصّ السّجلّ الخاصّ بإنشاء هذه المدرسة (١)، الذي نصّ على أن تكون مأوى للطّلاّب وسكنا لهم، وأن يطلق لهم من ديوان الخليفة مؤنتهم وما يقوم بأودهم ويعينهم على التّفرّغ للدّراسة بالمدرسة وهي: علوم الشّريعة، وأن يتولّى مقدّم المدرسة، وهو الفقيه أبو الطّاهر بن عوف، الإشراف التّام على شئون الطّلبة (٢).
ولا شكّ أنّ الظّروف السّياسيّة والدّينيّة والاجتماعية لم تكن واحدة في كلّ العالم الإسلامي في القرنين الخامس والسّادس للهجرة/ الحادي عشر والثاني عشر للميلاد. وهو الوقت الذي بدأت فيه المدارس في الازدهار. فالوسط الاجتماعي لبغداد عند تأسيس النّظامية سنة ٤٥٧ هـ/ ١٠٦٥ م لم يكن كمجتمع الإسكندرية أو قونية في آسيا الوسطى عند ما ظهرت المدارس لأوّل مرّة بهذه المدن في النّصف الأوّل للقرن السّادس الهجري. وبالتالي فلم يكن للمدرسة نفس الدّور أو الوظيفة في هذه المجتمعات، وبالتّحديد لم يكن دور مدارس الإسكندرية مشابها لدور مدارس بغداد. فقد نشأت مدارس بغداد في مجتمع سنّي بهدف تأييد المذهب الأشعري ولمواجهة مذاهب الشّيعة، وللمساهمة في إعداد رجال الدّين والموظّفين الرّسميين، ولتمكين الحكّام بصفة خاصّة من احتكار طبقة «العلماء» والتأثير عليهم.
أمّا في مصر فقد كان غرضها تدعيم الإسلام ضدّ تحدّي أو استفزاز أهل الذّمّة من النّصارى، ثم إمداد الإسلام بوسائل إضعاف قوّتهم وإجبارهم على التّحوّل إليه. فرغم كون الإسلام دين الدّولة الرّسمي وهو الأعلى، إلاّ أنّه كان يواجه أقلّيّة نصرانية عريضة وقويّة تتركّز في غرب الدّلتا وأجزاء من مصر العليا والواحات، بدأ نفوذها في التّسلّط مع وصول بدر الجمالي إلى قمّة السّلطة في مصر سنة ٤٦٦ هـ/ ١٠٧٣ م، والذي كان أرمني الأصل واستصحب معه عندما قدم إلى مصر جيشا قوامه من الأرمن النّصارى الذين اصطحبوا عائلاتهم واستقرّوا في مصر في ظواهر القاهرة، وتزايد عددهم مع قدوم مهاجرين جدد لحقوا بهم، وكان لهم
(١) القلقشندي: صبح الأعشى ٤٥٨: ١٠ - ٤٥٩؛ وانظر كذلك مقال جمال الدّين الشّيّال: «أوّل أستاذ لأوّل مدرسة في الإسكندرية الإسلامية»، مجلة كلية الآداب - جامعة الإسكندرية ١١ (١٩٥٧)، ٣ - ٢٩. (٢) نفسه ٤٥٩: ١٠.