للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الحافظ إلى أخيه الباساك والي قوص - ليحتمي به، ونهب العامّة سائر ديار الأرمن بالحسينية ونهبوا كذلك كنيسة الزّهري (١).

هكذا كان الوضع في مصر في العقد الرابع من القرن السّادس الهجري: مواجهة بين المسلمين والنّصارى الأرمن، ومواجهة بين أهل السّنّة والسّلطة الفاطمية الحاكمة. وكان وصول رضوان إلى منصب الوزارة كأوّل وزير سنّي للفاطميين، بداية تحوّل سنّي بطيء، فتح الطّريق إلى انتصار السّنّة النّهائي في مصر بعد ذلك بنحو ثلاثين عاما مع انقلاب صلاح الدّين.

كان من أهمّ ما ميّز هذا التّحوّل السّنّي إنشاء مدرستين لتدريس الفقه السّنّي في الإسكندرية:

الأولى أنشأها الوزير رضوان بن ولخشي لتدريس المذهب المالكي، سنة ٥٣٢ هـ/ ١١٣٨ م، وقرّر في تدريسها الفقيه المالكي المعروف أبا الطّاهر بن عوف، إسماعيل بن مكي بن إسماعيل ابن عيسى (٢)؛ والثّانية أنشأها، في سنة ٥٤٦ هـ/ ١١٥٠ م، وزير سنّيّ آخر هو العادل بن السّلار، ولكن في هذه المرّة كانت لتدريس المذهب الشّافعي، وقرّر في تدريسها الحافظ الشّهير أبا الطّاهر أحمد بن محمد السّلفي (٣).

ولكن لماذا أنشأ رضوان مدرسته في الإسكندرية وتبعه في ذلك العادل بن السّلار؟ الإجابة على ذلك أنّ القاهرة كانت في ذلك الوقت مركز النّشاط الشّيعي في العالم الإسلامي، والمدرسة ظاهرة جديدة في مصر، فكان من شأن إقامة مؤسّسة سنّيّة مهمّة كالمدرسة في العاصمة الشّيعية قلب ميزان القوّة بين الخليفة ووزيره. وبما أنّ الإسكندرية كان كلّ سكّانها من أهل السّنّة، فقد كان طبيعيّا أن يبني رضوان مدرسته بها ليقاوم بها مذهب الدّولة وليعلي كلمة الإسلام في مواجهة اتّساع نفوذ أهل الذّمّة من النّصارى الأرمن الوافدين. ومع ذلك فقد استصدر رضوان سجلاّ من الخليفة ببناء المدرسة في الإسكندرية نسبت فيه المدرسة إلى الخليفة، حيث أطلق عليها «المدرسة الحافظيّة» ولم تنسب إلى الوزير الذي بناها، وذلك لأنّ الخليفة لا الوزير هو الذي كان


(١) أيمن فؤاد: الدولة الفاطمية في مصر ٢٥٨ - ٢٦٦.
(٢) ابن ميسر: أخبار مصر ١٢٠؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٤٥٨: ١٠ - ٤٥٩، المقريزي: اتعاظ الحنفا ١٦٧: ٣؛ أيمن فؤاد: الدولة الفاطمية ٥٩١ - ٥٩٢؛ وانظر ترجمة أبي الطاهر بن عوف عند ابن فرحون: الديباج المذهب ٢٩٢: ١ - ٢٩٥؛ الصفدي: الوافي بالوفيات ٢٢٨: ٩؛ المقريزي: المقفى الكبير ١٨٣: ٢ - ١٨٤؛ أبي المحاسن: النجوم الزاهرة ١٠٠: ٦.
(٣) ابن خلكان: وفيات الأعيان ١٠٥: ١، ٤١٧: ٣؛ السبكي: طبقات الشافعية الكبرى ٣٧: ٦.