للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سنة تسع وخمسين وأربع مائة؛ ودرّس فيها الشّيخ أبو إسحاق الشّيرازي الفيروزآبادي صاحب كتاب «التّنبيه في الفقه» على مذهب الإمام الشّافعي ورحمه - فافتدى النّاس به من حينئذ في بلاد العراق وخراسان وما وراء النّهر وفي بلاد الجزيرة وديار بكر.

وأمّا في مصر فإنّها كانت حينئذ بيد الخلفاء الفاطميين، ومذهبهم مخالف لهذه الطّريقة، وإنّما هم شيعة إسماعيلية» (فيما يلي ٤٥١ - ٤٥٢).

ورغم أنّ المقريزي يذكر أنّ بداية معرفة مصر ب «المدارس» جاءت مع استيلاء صلاح الدّين على السّلطة في مصر وعودتها إلى دائرة الأقاليم التي يحكمها أهل السّنّة، فقد عرفت مصر - وعلى الأخصّ مدينة الإسكندرية - المدارس في العقود الأخيرة لعصر الدّولة الفاطمية. فعندما اضطرّ الخليفة الفاطمي الحافظ لدين اللّه إلى الاستعانة ببهرام الأرمنيّ، والي الغربية، وولاّه الوزارة سنة ٥٢٩ هـ/ ١١٣٥ م ونعته ب «سيف الإسلام تاج الملوك» (١)، رغم كونه نصرانيّا، عمل بهرام على توطيد أركان دولته بالاستعانة بالأرمن الذين استقدمهم من تلّ باشر ووصل منهم إلى مصر نحو ثلاثين ألف إنسان، «فاستطالوا على المسلمين وأصاب المسلمين منهم جور عظيم» كما يقول ابن ميسّر. وعمل بهرام على بناء الكنائس بمصر حتى صار كلّ رئيس من أهله يبني له كنيسة، فخاف أهل مصر منهم أن يغيّروا ملّة الإسلام، وكثرت الشّكايات فيه وفي أهله (٢).

أثار هذا الموقف وسكوت الخليفة الفاطمي عليه رؤساء المصريين من أهل السّنّة، فبعثوا إلى والي الغربيّة رضوان بن ولخشي - وهو سنّي - يستحثّونه على تصويب هذا الوضع، فاستجاب لدعوتهم وخطب في النّاس خطبة بليغة حرّضهم فيها على «الجهاد»، وحشد نحو ثلاثين ألفا من العربان وغيرهم، سار بهم قاصدا القاهرة لمحاربة بهرام، وما أن تقارب الجمعان حتى رفع رضوان ومن معه المصاحف على أسنّة الرّماح فترك العسكر المسلمون بهرام والتجأوا إلى صفوف رضوان باتّفاق منهم مع رضوان قبل قدومه. أمّا بهرام فإنّه خاف من عاقبة ذلك وفرّ بإشارة من الخليفة


(١) ابن ميسر: أخبار مصر ١٢٢؛ ساويرس بن المقفع: تاريخ بطاركة الكنيسة ٢٨: ١/ ٣ - ٢٩؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ١٥٦: ٣.
(٢) نفسه ١٢٤؛ نفسه ٣١: ١/ ٣.
(٣) نفسه ١٢٤ - ١٢٥؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ١٥٨: ٣.