للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ووجدت هذه السّياسة تأييدا واضحا من نور الدّين محمود خلال مواجهته للفرنج الصّليبيين في أواسط هذا القرن، حيث أنشأ العديد من المدارس للفقهاء الشّافعيّة «في دمشق وحلب وحماه وحمص وبعلبك ومنبج والرّحبة» (١)، رغم كونه حنفيّا، كما أسّس أوّل «دار للحديث» في دمشق سنة ٥٦٧ هـ/ ١١٧١ م. وتبنّى هذه السّياسة بعد ذلك صلاح الدّين يوسف بن أيّوب بعد نجاحه في القضاء على الدّولة الفاطمية ووضعه نهاية لها، حيث أدخل إلى مصر المذهب الأشعري، ثم تبعه خلفاؤه في إنشاء المدارس بمعنى الكلمة (فيما يلي ٥٥ *- ٥٦ *، و ٤٨٤ هـ (٢)).

وقد أبان المقريزيّ في نصّ جامع أورده في بداية الفصل الذي خصّصه لذكر المدارس عن نشأة المدارس وتطوّرها، ولماذا لم تعرف مصر نظام المدرسة قبل العصر الأيّوبي، يقول:

«والمدارس ممّا حدث في الإسلام، ولم تكن تعرف في زمن الصّحابة ولا التّابعين، وإنّما حدث عملها بعد الأربع مائة من سني الهجرة. وأوّل من حفظ عنه أنّه بنى مدرسة في الإسلام أهل نيسابور فبنيت بها المدرسة البيهقيّة، وبنى بها أيضا الأمير نصر بن سبكتكين مدرسة، وبنى بها أخوه السّلطان محمود بن سبكتكين مدرسة، وبنى بها أيضا المدرسة السّعديّة، وبنى بها أيضا مدرسة رابعة. وأشهر ما بني في القديم المدرسة النّظاميّة ببغداد لأنّها أوّل مدرسة قرّر بها للفقهاء معاليم، وهي منسوبة إلى الوزير نظام الملك أبي علي الحسن بن علي بن إسحاق بن العبّاس الطّوسي وزير ملكشاه ابن ألب أرسلان بن داود بن ميكال بن سلجوق في مدينة بغداد، وشرع في بنائها في سنة سبع وخمسين وأربع مائة، وفرغت في ذي القعدة


(١) ابن خلكان: وفيات الأعيان ١٨٥: ٥.
(٢) هذا نصّ المقريزي في المبيّضة، أمّا نصّ المسوّدة فجاء بالصّيغة التالية:
«اعلم أنّه لم يكن في زمن الخلفاء الفاطميين مدارس ولا يعرفونها، وكان فقهاؤهم ينتحلون مذاهب الإسماعيلية من جملة مذاهب الشّيعة. وأوّل ما عرف بالقاهرة درس عمل للفقهاء؛ الدّرس الذي رتّبه الوزير أبو الفرج بن كلّس بالجامع الأزهر كما تقدّم ذكره. وأوّل من بنى المدارس في دولة الإسلام الوزير نظام الملك أبو علي الحسن بن إسحاق وزير السّلطان ألب أرسلان السّلجوقيّ ووزير ولده ملكشاه من بعده، فإنّه بنى المدرسة النّظاميّة ببغداد في سنة [سبع وخمسين] وأربع مائة، ورتّب في تدريسها الشّيخ أبا إسحاق الشّيرازي مؤلّف كتاب «التّنبيه» و «المهذّب» في الفقه وغير ذلك ممّا هو معروف في التّواريخ». (مسوّدة الخطط ٨٢ و).