للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وزعم الذّهبيّ، في النّصف الأوّل للقرن الثّامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي، أنّ نظام الملك - وزير السّلاجقة الشّهير - هو أوّل من بنى المدارس، ولكنّنا رأينا - فيما سبق - أنّ الغزنويين سبقوا السّلاجقة في ذلك بالمدارس التي أنشأوها في نيسابور ومرو، ويعلّق السّبكي على ذلك بقوله: «ويغلب على ظنّي أنّ نظام الملك هو أوّل من قدّر المعاليم للطّلبة» (١) - أي الجرايات والرّواتب لمن يدرس فيها، وإن كان العزيز باللّه الفاطمي قد سبقه إلى ذلك - في أواخر القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي - مع الفقهاء الذين كانوا يتحلّقون في الجامع الأزهر بالقاهرة (فيما يلي ٢٩٤، ٤٥٢).

ويرجع تاريخ أوّل مدرسة أنشأها نظام الملك، وهي «نظاميّة بغداد»، إلى سنة ٤٥٩ هـ/ ١٠٦٦ م (٢)، ثم توالى بناؤه للمدارس حتى قيل إنّ له في كلّ مدينة بالعراق وخراسان مدرسة عرفت جميعها ب «النّظاميّة» (٣).

وهكذا أصبحت «المدارس النّظاميّة» مؤسّسة سياسيّة تخضع للإشراف الرّسمي للدّولة لتدريس الفقه على المذاهب الأربعة مع إفساح مساحة كبيرة للمذهب الأشعري. ولم يرتبط هذا الانتصار وهذه المدارس فقط باسم نظام الملك، ولكن أيضا بأعلام المذهب الأشعري كأبي إسحاق الشّيرازي وأبي بكر الباقلاّني وإمام الحرمين الجويني وحجّة الإسلام الغزالي، الذين كان لهم دور كبير في قبول جمهور أهل السّنّة للمذهب الأشعري. وانتشرت المدارس السّنّيّة وذاعت في العراق في القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، حتى إنّ ابن جبير - الذي زار العراق نحو سنة ٥٨٠ هـ/ ١١٨٤ م - يشير إلى وجود نحو ثلاثين مدرسة تقع جميعها في الجانب الشّرقي لبغداد (٤).

وفي هذا الإطار أدخل السّلاجقة عن طريق الزّنكيين المدارس إلى الشّام في القرن السّادس الهجري/ الثّاني عشر الميلادي كمؤسّسة قويّة للدّعاية الدّينية والسّياسية لنشر المذهب الأشعري،


(١) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى ٣١٤: ٤؛ السيوطي: حسن المحاضرة ٢٥٥: ٢ - ٢٥٦.
(٢) ابن الجوزي: المنتظم ٢٣٨: ٨، ٢٤٦ - ٢٤٧؛ ابن الأثير: الكامل ٥٥: ١٠؛ ابن خلكان: وفيات الأعيان ١٢٩: ٢.
(٣) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى ٣١٤: ٤. وبلغت المدارس النّظاميّة تسع مدارس في الموصل والبصرة وأصبهان وآمل وطبرستان ومرو ونيسابور وهراة وبلخ، بالإضافة إلى نظامية بغداد. (Makdisi، G.، op.cit.، p. ٤).
(٤) ابن جبير: الرحلة ٢٠٥.