للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثالثا: لتلبية رغبة السّلاطين والحكّام في إحكام سيطرتهم على رجال الدّين الذين درسوا المذاهب الفقهيّة المعتمدة في الدّول السّنّيّة في هذه المدارس (١).

كانت المدارس الأولى التي أنشئت في عصر الغزنويين موجّهة ضدّ المخالفين في الرأي من الكرّاميّة الذين أنشأوا «خانقاوات» كمراكز للتعليم والدّعوة وحياة التّقشّف (٢)، خاصّة في مناطق خراسان وما وراء النّهر وفي جرجان وطبرستان، وأصبحت هذه «الخانقاوات» - في رأي بوزورث Bosworth - الأنموذج والمحرّك لحركة إنشاء المدارس في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي على أيدي الأشاعرة (٣). ولكنّ هذه الصّلة تظلّ مع ذلك في حاجة إلى إثبات.

وعندما خلف السّلاجقة الغزنويين بعد هزيمتهم في موقعة داندنقان سنة ٤٣٢ هـ/ ١٠٤٠ م، أخذوا في فتح أراضي المشرق الإسلامي، ودخل زعيمهم طغرلبك إلى بغداد في سنة ٤٤٧ هـ/ ١٠٥٥ م، وبلغت إمبراطوريتهم أقصى اتّساع لها في عهد خليفتيه ألب أرسلان وملك شاه، حيث امتدّت من وسط آسيا حتى حدود بيزنطة.

كان السّلاجقة، في هذا الوقت، هم القوّة الفتيّة في الإسلام الآخذة في النّماء والقوّة المدافعة عن مذهب أهل السّنّة في مواجهة الفاطميين الشّيعة والتي وضعت نهاية لحكم البويهيين الشّيعة في بغداد مركز الخلافة العبّاسية. وكان وصول السّلاجقة إلى قمّة السّلطة يمثّل انتصارا للمذهب الأشعري ممثّل علم الكلام السّنّي الذي حلّ محلّ آراء المعتزلة الكلاميّة التي أخذت في الانزواء (فيما يلي ٤٣٩ - ٤٤٣). وحقّق المذهب الأشعري انتصاره في بغداد في منتصف القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي بفضل «المدارس النّظاميّة» وخاصّة «نظاميّة بغداد»، بحيث نستطيع أن نعدّ بحقّ القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي «عصر ازدهار المدارس»؛ فقد تولّى السّلاجقة - مع تولّي نظام الملك رتبة الوزارة للسّلاجقة - محاربة الفاطميين عن طريق المدارس لتأييد المذاهب الفقهيّة السّنّيّة، وعلى الأخصّ المذهب الأشعري (٤).


(١) leiser، g.، «Notes on the Madrasa in Medieval Islamic Society،» MWLXXVI (١٩٨٦)، p. ١٦.
(٢) Massignon، L.، «Les Medresehs de Bagdad»، BIFAOVII (١٩١٠)، pp. ٧٧ - ٧٨.
(٣) Bosworth، C.E.، El ٢ art.Karrqmiyya tv، pp. ٦٩٤ - ٩٦.
(٤) Makdisi، G.، «Muslim Institutions of Learning Eleventh-Century Baghdad»، bsoas XXIV (١٩٦١)، p. ٣.