لأبي إسحاق الشّيرازي ببغداد سنة ٤٥٦ هـ/ ١٠٦٤ م ليتفقّه عليه، وذلك قبل ثلاث سنوات من إنشاء المدرسة النّظاميّة، يقول ابن الجوزي على لسانه:
«فنزلت في خان حذاء مسجد أبي إسحاق بباب المراتب - وكان يسكنه أصحاب الشّيخ ومن يتفقّه عليه - فإذا كثرنا كنّا حوالي العشرين وإذا قلّ عددنا كنّا حوالي العشرة. وكان الشّيخ أبو إسحاق يذكر «التّعليقة» في أربع سنين، فيصير المتفقّه في هذه الأربع سنين فيها مستغنيا عن الجلوس بين يدي أحد، وكان يذكر درسا بالغداء ودرسا بالعشي. فلمّا كانت سنة ستين [وأربع مائة] عبرت إلى الجانب الغربي إلى الشّيخ أبي نصر بن الصّبّاغ قرأت عليه «الشّامل»، ثم عدت إلى أبي إسحاق فلازمته إلى حين وفاته» (١).
ويتّفق الباحثون في العموم على أنّ «المدرسة» بمعنى الكلمة نشأت تلبية لثلاثة اعتبارات أساسية:
أوّلا: لدعم الإسلام السّنّي في مواجهة التّحدي الشّيعي في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، الذي يحقّ لنا أن نسمّيه «عصر انتصار الشّيعة»، ففيه تحكّم البويهيّون الشّيعة في إمبراطورية عريضة كان مركزها العراق وفرضوا سيطرتهم على الخليفة العبّاسي السّنّي في بغداد، ومدّ الفاطميون الإسماعيليّون نفوذهم على مصر والشّام وشمال إفريقيا وجزيرة صقلّيّة، وقام دعاتهم بدور نشط في طول الأراضي العبّاسية وعرضها تدعمهم العديد من المؤسّسات الشّيعية مثل: الجامع الأزهر ودور العلم التي كانوا يتلقّون فيها تدريبات خاصّة.
في هذا الوقت كان السّلطان محمود الغزنوي وأخوه الأمير نصر بن سبكتكين هما المدافعين عن السّنّة، وبدأا في إنشاء المدارس الأولى في مشرق العالم الإسلامي في نيسابور ومرو وبخارى، كالمدرسة البيهقيّة والمدرسة السّعديّة ومدرسة ابن فورك.
ثانيا: إعداد كوادر موالية للدّولة عن طريق تأييد المذاهب الفقهيّة الأربعة، بحيث أصبحت هذه المدارس بمثابة مؤسّسات رسمية لتخريج القضاة وكتّاب بيت المال والوزراء وغيرهم من الموظّفين الرّسميين.
(١) ابن الجوزي: المنتظم ٣٧: ١٠، Makdisi، G.، op.cit.، p. ٣٠