وفي مصر كان جامع عمرو «الجامع العتيق» والمساجد الجامعة التي أنشئت بعده، وعلى الأخصّ جامعا ابن طولون والأزهر، مراكز حلقات العلم ومجالسه، وأطلق المقريزي - نقلا عن ابن المتوّج - على مواضع التّدريس بالجامع العتيق اسم «الزّوايا»، وأقدمها «زاوية الإمام الشّافعي»، وهي الموضع الذي كان يدرّس به وتولّى التّدريس فيه بعده «أعيان الفقهاء وجلّة العلماء»(فيما يلي ٣٥)، وكان الشّافعيّ يجلس للتّدريس بها كلّ يوم بعد صلاة الصّبح حتى وفاته سنة ٢٠٤ هـ/ ٨٠٩ م (١).
ويذكر ابن زولاق أنّه كان للفقهاء المالكيين في جامع عمرو، سنة ٣٢٦ هـ/ ٩٣٨ م، خمس عشرة حلقة ومثلها للشّافعيين، بينما لم يكن لأصحاب أبي حنيفة سوى ثلاث حلقات (٢). وكان يحضر حلقة إمام المالكية في وقته أبي بكر النّعّال، المتوفى سنة ٣٨٠ هـ/ ٩٩٠ م، حشد كبير في الجامع العتيق، حتى إنّها كانت تدور على سبعة عشر عمودا في الجامع (٣). وبلغت «حلقات» العلم في الجامع، قرب نهاية القرن الرّابع الهجري/ العاشر الميلادي، مائة وعشرة مجالس، كما في رواية المقدسي (٤). وكان جامع عمرو في أواسط القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، وقت زيارة ناصر خسرو لمصر، مكان اجتماع سكّان المدينة الكبيرة مصر - الفسطاط، وكان المدرّسون والمقرئون يقيمون فيه ولم يكن عدد من فيه يقلّ في أي وقت عن خمسة آلاف من طلاّب العلم والغرباء والكتّاب الذين يحرّرون العقود وغيرها (٥).
وشارك جامع ابن طولون الجامع العتيق النّشاط نفسه، فقام الرّبيع بن سليمان الجيزي بإملاء الحديث في الجامع فور أن كمل بناؤه (فيما يلي ٦٠).
ولم يفقد المسجد الجامع أبدا مكانته التّعليمية، حتى بعد انتشار المدارس، فيذكر المقريزي أنّ السّلطان المنصور لاجين لمّا جدّد جامع ابن طولون، سنة ٦٩٦ هـ/ ١٢٩٦ م، رتّب فيه دروسا للفقه على المذاهب الأربعة ودرسا للتّفسير وآخر للحديث وثالثا للطّب (فيما يلي ٦٩)، كما بلغت
(١) ياقوت: معجم الأدباء ٣٠٤: ١٧؛ السيوطي: حسن المحاضرة ٣٠٤: ١. (٢) ابن زولاق في ابن سعيد: المغرب في حلى المغرب (قسم مصر) ١٧٣. (٣) السيوطي: حسن المحاضرة ٤٥١: ١. (٤) المقدسي: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ٢٠٥. (٥) ناصر خسرو: سفرنامه ١٠٢.