للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويختلف العلماء والدّارسون حول أصل «المدرسة» ونشأتها، فيفترض بارتولد Barthold - بما أنّ المدارس الأولى ظهرت في نيسابور ومرو وبخارى في فترة حكم السّلطان محمود الغزنوي (٣٩١ - ٤٢١ هـ/ ٩٩٩ - ١٠٣٠ م) - أنّها استوحيت من الأديرة البوذيّة في آسيا الوسطى (١) (الفيهارا) (؟) ويرى أحمد فكري أنّ المدرسة هي التّطوّر المنطقي لوظيفة المسجد، وأنّ تعريفها مستمدّ من البيوت المخصّصة فيها لسكنى الشّيوخ والفقهاء لا من قاعات التّدريس والمدرّسين (٢).

أمّا جورج مقدسي George Makdisi فيعتقد أنّ المدرسة هي تطوّر لل «خانات» التي كان يقيم بها الطّلبة الغرباء عند تردّدهم على كبار العلماء والشّيوخ في بغداد في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي (٣). فالمدرسة عنده هي نتاج مراحل ثلاث تطوّرت خلالها المؤسّسة التّعليمية في الإسلام:

مرحلة «المسجد الجامع» في القرون الأولى للإسلام حيث كانت تعقد به حلقات العلم ودروس الفقه والحديث (٤). ومرحلة «الخان» القريب من المسجد الذي كان يخصّص لإقامة الطّلبة الغرباء عن المدينة، والذي انتشر في شرق العالم الإسلامي في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي (٥). ثم مرحلة «المدرسة» بمعنى الكلمة - التي تعدّ مؤسّسة التّعليم الإسلامية الحقيقية.

ففي القرون الإسلامية الأولى كان «المسجد الجامع» هو مكان تلقّي العلم، حيث إنّ العلوم التي أحدثها الإسلام كانت بطبيعتها لا يمكن فصلها عن المسجد، وحتى العلوم الجديدة كاللّغة والفلسفة والمنطق، لم تنفصل عن علوم الإسلام الأساسية، وظلّ «المسجد الجامع» بذلك - ولفترة غير قصيرة - هو المركز الرّئيس للتّعليم، فكان العلماء يعقدون فيه «حلقات» الدّرس، وتعدّدت «الحلقات» في المسجد الواحد، ولم تقتصر على علوم الدّين: كالفقه والحديث والكلام، بل كان يدرّس بها كذلك علوم اللّغة والنّحو والتّاريخ، وغيرها من العلوم النّقليّة (٦).


(١) Barthold ct.Leiser، G.، Notes on the Madrasa in Medieval Islamic Society»، MW LXXVI (١٩٨٦)، p. ١٦
(٢) أحمد فكري: مساجد القاهرة ومدارسها ٧٢: ٢، ١٣١، ١٦٠، ١٦٣.
(٣) Makdisi، G.، The Rise of Colleges Institutions of Learning in Islam and the West، L ٢ Edinburgh ١٩٨١، p. ٢٧، ٢٩ - ٣٠
(٤) Pedersen، I. & Makdisi، G.، El ٢ art.
Madrasa V، p. ١١٢٠.
(٥) Makdisi، G.، op.cit.، pp. ٢٤، ٢٨، ٢٩
(٦) أحمد فكري: المرجع السابق ١٤٤: ٢.