متكرّرا لهذه المئذنة في مدرسة الصّالح نجم الدّين أيّوب (٦٤١ هـ/ ١٢٤٣ م)، وزاوية الهنود (٦٣٨ هـ/ ١٢٥٠ م)، وخانقاه بيبرس الجاشنكير (٧٠٩ هـ/ ١٣٠٩ م)، وهو الطّراز الذي عرف باسم «المبخرة»(١). وتمثّل الزّخرفة ذات الأشكال الهندسيّة والنّباتية على قاعدة هاتين المئذنتين وعلى المدخل الرّئيس للجامع مرحلة حاسمة في شكل الزّخرفة الإسلامية (٢).
ولم تظهر الحجارة في العمارة القاهرية إلاّ عند بناء جامع الحاكم، وبذلك أصبح من الممكن الاستغناء عن الاستعاضة بالطّلاء الجصّي في غطاء المسطّحات الجداريّة وتسويتها؛ وقد أضافت الزّخرفة المنحوتة على الحجارة أهميّة إلى واجهات المساجد الفاطمية تظهر بوضوح في الجامع الأقمر وجامع الصّالح طلائع، وبعد ذلك في واجهة المدرسة الصّالحية التي أنشئت في نهاية العصر الأيّوبي.
ويعدّ «الجامع الأقمر» - الذي شيّد في آخر عام ٥١٥ هـ/ ١١٢١ م وافتتح للصّلاة في عام ٥١٩ هـ/ ١١٢٥ م في أيّام الخليفة الآمر بأحكام اللّه ووزارة المأمون البطائحي - أحد أهمّ آثار مصر الإسلامية، ورغم صغر مساحة هذا الجامع فإنّه يستمدّ أهميّته من واجهته التي تميّزت أوّلا بتوافقها مع استقامة الطّريق المقامة عليه، بخلاف المسجد نفسه الذي احتفظ بتوجّهه نحو القبلة (فيما يلي ١٥٦)؛ ثانيا أنّها أقدم واجهة حجريّة باقية في عمائر القاهرة عني ببنائها وزخرفتها بسخاء، ولا تقتصر هذه الزّخرفة على بوّابتها فقط بل تشمل واجهة المسجد كلّها، وهي واجهة كانت تحوي في الأصل جناحين متماثلين على يمين ويسار المدخل البارز عن سمت الجدار تظهر فيها أشكال «المقرنصات» لأوّل مرّة في عمارة القاهرة. وأملى توافق واجهة الجامع مع استقامة الطّريق الوضع
(١) عن مآذن القاهرة عموما راجع، Creswell K.A.C.، «the evolution of the minaret with special refernce to egypt»، the burlington magazin xlviii (١٩٢٦)، pp. ١٣٤ - ٤٠، ٢٥٢ - ٥٨، ٢٩٠ - ٩٨; samuel hassid، the sultan's turrets.A study of the origin and evolution of the minaret in cairo، cairo ١٩٣٩، وهي في الأصل رسالة مقدّمة إلى جامعة لندن سنة ١٩٣٥ بعنوان: The Evolution of Minarets Design in the Mosques of Cairo؛ السيد عبد العزيز سالم: المآذن المصرية - نظرة عامّة عن أصلها وتطوّرها من الفتح العربي حتى الفتح العثماني، الإسكندرية د. ت؛ Behrens-Abouseif، D.، The Minarets of Cairo، AUC Cairo ١٩٨٥؛ عبد اللّه كامل موسى: تطور المئذنة المصرية بمدينة القاهرة من الفتح العربي وحتى نهاية العصر المملوكي - دراسة معمارية زخرفية مقارنة مع مآذن العالم الإسلامي، رسالة دكتوراه بآثار القاهرة ١٩٩٤. (٢) Creswell، K.A.C.، MAE I، pp. ٦٥ - ٦٦؛ أحمد فكري: مساجد القاهرة ٨٣: ١ - ٨٥؛ bloom، j.m.، «the mosque of al-hakim in cairo»، muqarnas i (١٩٨٣)، pp. ١٥ - ٣٦; fu'ad sayyid، a.، la capitale del'egypte، pp. ٣٣٤ - ٤٦.