ثم سار به من القاهرة في ثالث رجب يريد أخذ دمشق من عمّه العادل بعدما قبض على عدّة من الأمراء، وقد توجّه العادل إلى ماردين، فحصر الأفضل دمشق. وقد بلغ العادل خبره فعاد وسار يريده حتى دخل دمشق. فجرت حروب كثيرة آلت إلى عود الأفضل إلى مصر بمكيدة دبّرها عليه العادل.
وخرج العادل في أثره وواقعه على بلبيس، فكسره في سادس ربيع الآخر سنة ستّ وتسعين، والتجأ إلى القاهرة وطلب الصّلح، فعوّضه العادل صرخد، ودخل إلى القاهرة في يوم السّبت ثامن عشره، وأقام بأتابكيّة المنصور، ثم خلعه في يوم الجمعة حادي عشر شوّال. وكانت سلطنته سنة وثمانية أشهر وعشرين يوما.
واستبدّ بالسّلطنة بعده عمّ أبيه «السّلطان الملك العادل سيف الدّين أبو بكر محمد بن أيّوب»، فخطب له بديار مصر وبلاد الشّام وحرّان والرّها وميافارقين، وأخرج المنصور وإخوته من القاهرة إلى الرّها، واستتاب ابنه الملك الكامل محمدا عنه، وعهد إليه بعده بالسّلطنة، وحلّف له الأمراء، فسكن قلعة الجبل، واستمرّ أبوه في دار الوزارة (١).
وفي أيّامه توقّفت زيادة النّيل ولم يبلغ سوى ثلاثة عشر ذراعا تنقص ثلاثة أصابع، وشرقت أراضي مصر إلاّ الأقلّ، وغلت الأسعار، وتعذّر وجود الأقوات حتى أكلت الجيف وحتى أكل النّاس بعضهم بعضا، وتبع ذلك فناء كبير، وامتدّ ذلك ثلاث سنين، فبلغت عدّة من كفّنه العادل وحده من الأموات في مدّة يسيرة نحو مائتي ألف وعشرين ألف إنسان، فكان بلاء شنيعا (٢).
(a)
(a) بياض في آياصوفيا. (١) انظر أخبار الملك العادل الأيّوبي عند، ابن الأثير: الكامل في التاريخ (مواضع متعددة)؛ ابن واصل: مفرج الكروب ١٦٢: ٣ - ٢٧٦؛ ابن خلكان: وفيات الأعيان ٧٤: ٥ - ٧٩؛ ابن أيبك: كنز الدرر ١٤٠: ٧ - ٢٠١؛ النويري: نهاية الأرب ٩: ٢٩ - ٨٦، الذهبي: سير أعلام النبلاء ١١٥: ٢٢ - ١٢٠؛ الصفدي: الوافي بالوفيات ٢٣٥: ٢ - ٢٣٨؛ المقريزي: السلوك ١٥٢: ١ - ١٩٤؛ أبي المحاسن: النجوم الزاهرة ١٦٠: ٦ - ٢٢٦؛ Dahlmanns، F.J.، Al-Malik al-Adil.Aygypten und der Vordere Orient inden Jahren ٥٨٩/ ١١٩٣ bis ٦١٥/ ١٢١٨، Giessen ١٩٧٥؛ محمود محمد الحويري: العادل الأيوبي، صفحة من تاريخ الدولة الأيوبية، القاهرة ١٩٨٠؛ Gibb، H.A.R.، El ٢ art.al-Adil I، pp. ٢٠٣ - ٤. (٢) وصف لنا هذه الشّدّة عبد اللّطيف البغدادري، الذي كان في مصر وقت حدوثها، انظر، عبد اللطيف -