وخرّب سورها وحرّقها، وأخذ جبلة واللاّذقيّة وصهيون والشّغر وبكاس وبغراس. ثم عاد إلى دمشق آخر شعبان، بعد ما دخل حلب، فملكت عساكره الكرك والشّوبك والسّلع في شهر رمضان.
وخرج بنفسه إلى صفد وملكها من الفرنج في رابع عشر شوّال، وملك كوكب في نصف ذي القعدة، وسار إلى القدس، ومضى بعد النّحر إلى عسقلان ونزل بعكّا، وعاد إلى دمشق أوّل صفر سنة خمس وثمانين. ثم سار منها في ثالث ربيع الأوّل، ونازل شقيف أرنون، وحارب الفرنج حروبا كثيرة، ومضى إلى عكّا - وقد نزل الفرنج عليها، وحصروا من بها من المسلمين - فنزل بمرج عكّا وقاتل الفرنج من أوّل شعبان حتى انقضت السّنة. وقد خرج الألمان من قسطنطينيّة في زيادة على ألف ألف يريد بلاد الإسلام، فاشتدّ الأمر.
ودخلت سنة ستّ وثمانين والسّلطان بالخرّوبة على حصار الفرنج، والأمداد تصل إليه، وقدم الألمان طرسوس يريد بيت المقدس، فخرّب السّلطان سور طبريّة ويافا وأرسوف وقيساريّة وصيدا وجبيل. وقوي الفرنج بقدوم ابن الألمان إليهم تقوية لهم، وقد مات أبوه بطرسوس وملك بعده، فقدّر اللّه تعالى موته أيضا على عكّا.
ودخلت سنة سبع وثمانين، فملك الفرنج عكّا في سابع عشر جمادى الآخرة، وأسروا من بها من المسلمين، وحاربوا السّلطان، وقتلوا جميع من أسروه من المسلمين، وساروا إلى عسقلان.
فرحل السّلطان في أثرهم، وواقعهم بأرسوف، فانهزم/ من معه وهو ثابت حتى عادوا إليه، فقاتل الفرنج وسبقهم إلى عسقلان وخرّبها، ثم مضى إلى الرّملة وخرّب حصنها وخرّب كنيسة له.
ودخل القدس فأقام بها إلى عاشر رجب سنة ثمان وثمانين، ثم سار إلى يافا فأخذها بعد حروب؛ وعاد إلى القدس، وعقد الهدنة بينه وبين الفرنج مدّة ثلاث سنين وثلاثة أشهر، أوّلها حادي عشر شعبان، على أنّ للفرنج من يافا إلى عكّا إلى صور وطرابلس وأنطاكية، ونودي بذلك فكان يوما مشهودا.
وعاد السّلطان إلى دمشق فدخلها خامس عشرين شوّال - وقد غاب عنها أربع سنين - فمات بها في يوم الأربعاء سابع عشرين صفر سنة تسع وثمانين وخمس مائة عن سبع وخمسين سنة، منها مدّة ملكه بعد موت العاضد اثنتان وعشرون سنة وستة عشر يوما.
فقام من بعده بمصر ولده «السّلطان الملك العزيز عماد الدّين أبو الفتح عثمان»، وقد كان يومئذ ينوب عنه بمصر، وهو مقيم بدار الوزارة من القاهرة، وعنده جلّ عساكر أبيه من