وحصرها، ثم سار عنها إلى خلاط فلم يملكها، فمضى حتّى أخذ ميافارقين وعاد إلى الموصل، ثم رحل عنها وقد مرض إلى حرّان، فتقرّر الصّلح مع المواصلة على أن يخطبوا له بها وبديار بكر وجميع البلاد الأرتقيّة، وضرب السّكّة فيها باسمه.
ثم سار إلى دمشق، فقدمها في ثاني ربيع الأوّل سنة اثنتين وثمانين، وخرج منها في أوّل سنة ثلاث وثمانين، ونازل الكرك والشّوبك وطبريّة، فملك طبريّة في ثالث عشرين ربيع الآخر من الفرنج. ثم واقعهم على حطّين وهم في خمسين ألفا فهزمهم بعد وقائع عديدة وأسر منهم عدّة ملوك (١).
ونازل عكّا حتى تسلّمها في ثاني جمادى الأولى، وأنقذ منها أربعة آلاف أسير مسلم من الأسر، وأخذ مجدل يافا وعدّة حصون منها النّاصريّة وقيسارية وحيفا وصفّوريّة والشّقيف والنّولة والطّور وسبسطيّة ونابلس وتبنين وصرخد وصيدا وبيروت وجبيل، وأنقذ من هذه البلاد زيادة على عشرين ألف أسير مسلم كانوا في أسر الفرنج، وأسر من الفرنج مائة ألف إنسان، ثم ملك منهم الرّملة وبلد الخليل ﵇ وبيت لحم من القدس ومدينة عسقلان ومدينة غزّة وبيت جبريل.
ثم فتح بيت المقدس في يوم الجمعة سابع عشرين رجب، وأخرج منه ستين ألفا من الفرنج، بعدما أسر ستة عشر ألفا ما بين ذكر وأنثى، وقبض من مال المفاداة ثلاث مائة ألف دينار مصرية، وأقام الجمعة بالأقصى (٢)، وبنى بالقدس مدرسة للشّافعيّة، وقرّر على من يرد كنيسة قمامة من الفرنج قطيعة يؤدّيها. ثم نازل عكّا وصور، ونازل في سنة أربع وثمانين حصن كوكب، وندب العساكر إلى صفد والكرك والشّوبك.
وعاد إلى دمشق فدخلها سادس ربيع الأوّل وقد غاب عنها في هذه الغزوة أربعة عشر شهرا وخمسة أيّام. ثم خرج منها بعد خمسة أيّام فشنّ الغارات على الفرنج، وأخذ منهم أنطرسوس
(١) أخبار معركة حطّين ذكرت بالتفصيل في مصادر سيرة صلاح الدين (فيما تقدم ٧٥٢ - ٧٥٣ هـ ٢)، وانظر كذلك سعيد عبد الفتاح عاشور: الحركة الصليبية ٦٢٥: ٢ - ٦٣٧؛ محسن محمد حسين: الجيش الأيوبي في عهد صلاح الدين ٤١٦ - ٤٣٠. (٢) في الرابع من شعبان سنة ٥٨٣ هـ/ ١١٨٧ م. وألقى خطبة الجمعة يومئذ القاضي محيي الدّين أبو المعالي محمد بن زكيّ الدّين علي القرشي. (البنداري: سنا البرق الشامي ٣١٣ - ٣١٥؛ أبو شامة: الروضتين ٣٤٣: ٢ - ٣٤٦؛ وانظر نصّ الخطبة عند ابن واصل: مفرج الكروب ٢١٨: ٢ - ٢٢٨).