للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الرّجال إلى أسفل تلك الحفرة، وكان فيها ممّن يحفر ويعمل وينقل التراب وينظر ويحوّل ويأمر وينهى نحو ألف رجل، فهلكوا جميعا.

فخرج عبد العزيز وقال: هذا ردم عجيب الأمر ممنوع النّيل، نعوذ باللّه منه. وأمر جماعة من الناس فطرحوا ما أخرج من هناك من التّراب على من هلك من الناس، فكان الموضع قبرا لهم (١).

قال المسعوديّ (٢): وقد كان جماعة من أهل الدّفائن والمطالب، ومن قد اعتنى وأغري بحفر الحفائر وطلب الكنوز وذخائر الملوك والأمم السّالفة المستودعة بطن الأرض ببلاد مصر، قد وقع إليهم كتاب ببعض الأقلام السّالفة، فيه وصف موضع ببلاد مصر على أذرع يسيرة من بعض الأهرام، بأنّ فيه مطلبا عجيبا. فأخبروا الإخشيد محمد بن طغج بذلك، فأمرهم بحفره، وأباحهم استعمال الحيلة في إخراجه؛ فحفروا حفرا عظيما إلى أن انتهوا إلى أزج وأقباء وحجارة مجوّفة في صخرة، منقور فيها تماثيل قائمة على أرجلها من الخشب، قد طلي بالأطلية المانعة من سرعة البلاء وتفرّق الأجزاء، والصّور مختلفة فيها صور شيوخ وشبّان ونساء وأطفال، أعينهم من أنواع الجواهر كالياقوت والزّمرّد والزّبرجد والفيروزج، ومنها ما وجوهها ذهب وفضّة؛ فكسر بعض تلك التّماثيل فوجدوا في أجوافها رممّا بالية وأجساما فانية، وإلى جانب كلّ تمثال منها نوع من الآنية (a) كالبراني (b) وغيرها [من الآلات] (c) من المرمر والرّخام، وفيه نوع من الطّلاء الذي قد طلي منه ذلك الميت الموضوع في التّمثال (d) الخشب (e)، والطّلاء دواء مسحوق وأخلاط معمولة لا رائحة لها، فجعل منه على النار شيء، ففاح منه ريح طيبة مختلفة لا تعرف في نوع من أنواع الطيب.

وقد جعل كلّ تمثال من الخشب على صورة ما فيه من الناس على اختلاف أسنانهم ومقادير أعمارهم وتباين صورهم، وبإزاء كلّ تمثال تمثال من الحجر المرمر أو من الرّخام الأخضر، على هيئة الصّنم على حسب عبادتهم للتماثيل والصّور عليها أنواع من الكتابات لم يقف على استخراجها أحد من أهل الملل. وزعم قوم من أهل الدّراية أن لذلك القلم، منذ فقد من أرض مصر، أربعة آلاف سنة. وفيما ذكرناه دلالة على أنّ هؤلاء ليسوا بيهود ولا نصارى، ولم يؤدّهم


(a) بولاق: الأبنية.
(b) بولاق: البرابي.
(c) زيادة من مروج الذهب.
(d) بولاق: التماثيل.
(e) بعد ذلك في مروج الذهب: وما بقي من الطلاء متروك في ذلك الإناء.
(١) المسعودي: مروج الذهب ٩٥: ٢ - ٩٧.
(٢) نفسه ٩٧: ٢.