الحفر إلاّ لما ذكرناه من هذه التّماثيل، وكان ذلك في سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة.
وقد كان من سلف وخلف من ولاة مصر، من أحمد بن طولون وغيره، إلى هذا الوقت وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مائة (١) - لهم أخبار عجيبة فيما استخرج في أيّامهم من الدّفائن والأموال والجواهر، وما أصيب في هذه القبور من المطالب والخزائن (a)، وقد أتيتنا على ذكرها فيما تقدّم من تصنيفنا (٢).
وركب أحمد بن طولون يوما إلى الأهرام، فأتاه الحجّاب بقوم عليهم ثياب صوف، ومعهم المساحي والمعاول، فسألهم عمّا يعانونه (b)، فقالوا: نحن قوم نطلب المطالب. فقال لهم: لا تخرجوا بعدها إلاّ بمنشور (c) أو رجل من قبلي. وأخبروه أنّ في سمت الأهرام مطلبا قد عجزوا عنه، فضمّ إليهم الرّافقي، وتقدّم إلى عامل [قعونة] (d) الجيزة في إعانتهم بالرّجال والنّفقات، وانصرف. فأقاموا مدّة يعملون حتى ظهر لهم.
فركب أحمد بن طولون إليهم وهم يحفرون، فكشفوا عن حوض مملوء دنانير، وعليه غطاء مكتوب عليه بالبربطيّة، فأحضر من قرأه فإذا فيه:
«أنا فلان بن فلان، الملك الذي ميّز الذّهب من غشّه ودنسه، فمن أراد أن يعلم فضل ملكي على ملكه، فلينظر إلى فضل عيار ديناري على عيار ديناره، فإنّ مخلّص الذّهب من الغش مخلص في حياته وبعد وفاته».
فقال أحمد بن طولون: الحمد للّه، إنّ ما نبّهتني عليه هذه الكتابة أحبّ إليّ من المال.
ثم أمر لكلّ من القوم المطالبية بمائتي دينار منه، ولكلّ من الصّنّاع بخمسة دنانير بعد توفية أجرة عمله، وللرّافقي بثلاث مائة دينار، ولنسيم الخادم بألف/ دينار، وحمل باقي الدنانير فوجدها أجود من كلّ عيار. وشدّد من حينئذ في العيار بمصر حتى صار عيار ديناره، الذي عرف بالأحمدي، أجود عيار وكان لا يطلي إلاّ به (٣).
(a) بولاق: وما أصيب في هذه المطالب من القبور، والمثبت من مروج الذهب. (b) بولاق: يعملون، والمثبت من ابن الداية. (c) بولاق: بمشورتي. (d) زيادة من ابن الداية. (١) هذا التاريخ الذي دوّن فيه المسعودي كتابه وهي النسخة الأولى (التنبيه والإشراف ٩٧). (٢) المسعودي: مروج الذهب ٩٧: ٢ - ٩٨. (٣) البلوي: سيرة أحمد بن طولون ١٩٤ - ١٩٦؛ ابن سعيد: المغرب في حلى المغرب ٩٨ - ٩٩ (نقلا عن سيرة ابن طولون لابن الداية).