للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال المسعوديّ (١): ولمصر أخبار عجيبة من الدّفائن والبنيان، وما يوجد في الدّفائن من ذخائر الملوك التي استودعوها الأرض، وغيرهم من الأمم ممّن سكن تلك الأرض، وتدعى بالمطالب إلى هذه الغاية. وقد أتينا على جميع ذلك فيما سلف من كتبنا.

فمن أخبارها ما ذكره يحيى بن بكير قال: كان عبد العزيز بن مروان عاملا على مصر لأخيه عبد الملك بن مروان، فأتاه رجل متنصّح فسأله عن نصحه، فقال: بالقبّة الفلانية كنز عظيم.

قال عبد العزيز: وما مصداق ذلك؟ قال: هو أن يظهر لنا بلاط من المرمر والرّخام عند يسير من الحفر، ثم ينتهي بنا الحفر إلى باب من الصّفر، تحته عمود من الذّهب، على أعلاه ديك عيناه ياقوتتان تساويان ملك الدّنيا، وجناحاه مضرّجان بالياقوت والزّمرّد، ورأسه (a) على صفائح من الذّهب على أعلى ذلك العمود. فأمر له عبد العزيز بنفقة لأجرة من يحفر من الرّجال/ في ذلك ويعمل فيه.

وكان هناك تلّ عظيم، فاحتفروا حفيرة عظيمة في الأرض، والدّلائل المقدّم ذكرها من الرّخام والمرمر تظهر. فازداد عبد العزيز حرصا على ذلك، وأوسع في النّفقة، وأكثر من الرجّالة. ثم انتهوا في حفرهم إلى ظهور رأس الدّيك، فبرق عند ظهوره لمعان عظيم لما في عينيه من الياقوت، ثم بان جناحه ثم بانت قوائمه، وظهر حول العمود عمود من البنيان. بأنواع الحجارة والرّخام، وقناطر مقنطرة وطاقات على أبواب معقودة، ولاحت منها تماثيل وصور أشخاص من أنواع الصّور الذّهب، وأجرنه من الأحجار قد أطبق عليها أغطيتها وشبّكت، فركب عبد العزيز ابن مروان حتى أشرف على الموضع، فنظر إلى ما ظهر من ذلك، فأسرع بعضهم ووضع قدمه على درجة من نحاس ينتهي إلى ما هناك. فلمّا استقرّت قدماه على المرقاة، ظهر سيفان عاديان عن يمين الدرجة وشمالها، فالتقيا على الرّجل فلم يدرك حتى جزّآه قطعا وهوى جسمه سفلا.

فلمّا استقرّ جسمه على بعض الدّرج، اهتزّ العمود، وصفّر الدّيك صفيرا عجيبا أسمع من كان بالبعد من هناك، وحرّك جناحيه وظهرت من تحته أصوات عجيبة قد عملت بالكواكب والحركات، إذا مال وقع على بعض تلك الدّرج شيء أو ماسّها شيء انقلبت، فتهاوى من هناك


(a) مروج الذهب: وبراثنه.
(١) المسعودي: مروج الذهب ٩٥: ٢.