للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت العادة أن يجلس تحت الوزير، فلمّا عظم تمكّن القاضي فتح الدّين فتح اللّه كاتب السّرّ من الدّولة، جلس فوق الوزير الصّاحب سعد الدّين إبراهيم البشيري، فاستمرّ ذلك لمن بعده.

ورتبة كتابة (a) السّرّ أجلّ الرّتب، وذلك أنّها منتزعة من الملك. فإنّ الدّولة العبّاسيّة صار خلفاؤها في أوّل أمرهم، منذ عهد أبي العبّاس السّفّاح إلى أيّام هارون الرّشيد، يستبدّون بأمورهم. فلمّا صارت الخلافة إلى هارون بن محمد (b) ألقى مقاليد الأمور إلى جعفر بن يحيى (c) البرمكي؛ فصار جعفر (d) يوقّع على رقاع الرّافعين بخطّه في الولايات، وإزالة الظّلامات، وإطلاق الأرزاق والعطيّات. فجلّت لذلك رتبته، وعظمت من الدّولة مكانته. وكان هو أوّل من وقّع من وزراء خلفاء بني العبّاس، وصار من بعده من الوزراء يوقّعون على القصص كما كان يوقّع.

وربّما انفرد رجل بديوان السّرّ وديوان التّرسّل، ثم أفردت في أخريات دولة بني العبّاس، واستقلّ بها كتّاب لم يبلغوا مبلغ الوزراء. وكانوا ببغداد يقال لهم «كتّاب الإنشاء»، وكبيرهم يدعى «رئيس ديوان الإنشاء» ويطلق عليه تارة «صاحب ديوان الإنشاء»، وتارة «كاتب السّرّ».

ومرجع هذا الدّيوان إلى الوزير وكان يقال له «الدّيوان العزيز»، وهو الذي يخاطبه الملوك في مكاتبات الخلفاء.

وكان في الدّولة السّلجوقية يسمّى ديوان الإنشاء ب «ديوان الطّغراء»، وإليه ينسب مؤيّد الدّين (e) الطّغرائي. و «الطّغراء» هي طرّة المكتوب، فيكتب بأعلى من البسملة بقلم غليظ ألقاب الملك، وكانت تقوم عندهم مقام خطّ السّلطان بيده على المناشير والكتب، ويستغنى بها عن «علامة السّلطان»، وهي لفظة فارسيّة (١).

وفي بلاد المغرب يقال لرئيس ديوان الإنشاء «صاحب القلم الأعلى».

وأمّا مصر فإنّه كان بها في القديم - لمّا كانت دار إمارة - «ديوان البريد». ويقال لمتولّيه صاحب


(a) بولاق: كاتب.
(b) ساقطة من بولاق.
(c) بولاق: يحيى بن جعفر.
(d) بولاق: يحيى.
(e) بياض في آياصوفيا.
(١) انظر فيما تقدم ٦٧٤ هـ ٥، ومقال بوزورث. Bosworth، C.E.، El ٢ art.Tughra X، pp. ٦٣٩ - ٤٠