للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البريد، وإليه مرجع ما يرد من دار الخلافة على أيدي أصحاب البريد من الكتب، وهو الذي يطالع بأخبار مصر. وكان لأمراء مصر كتّاب ينشئون عنهم الكتب والرّسائل إلى الخليفة وغيره.

فلمّا صارت مصر دار خلافة، كان القائد جوهر يوقّع على قصص الرّافعين إلى أن قدم المعزّ لدين اللّه فوقّع، وجعل أمر الأموال وما يتعلّق بها إلى يعقوب بن كلّس وعسلوج بن الحسن، فوليا أموال الدّولة. ثم فوّض العزيز باللّه أمر الوزارة ليعقوب بن كلّس، فاستبدّ بجميع أحوال المملكة، وجرى مجرى جعفر بن يحيى البرمكي، وكان يوقّع، ومع ذلك ففي أمراء الدّولة من يلي البريد.

وجرى الأمر فيما بعد على أن الوزراء يوقّعون، وقد يوقّع الخليفة بيده.

فلمّا كانت أيّام المستنصر باللّه أبي تميم معدّ بن الظّاهر وصرف أبا جعفر محمد بن جعفر بن المغربي عن وزارته، أفرد له «ديوان الإنشاء»، فوليه مدّة طويلة، وأدرك أيّام أمير الجيوش بدر الجمالي، وصار يلي ديوان الإنشاء بعده الأكابر، إلى أن انقرضت الدّولة وهو بيد القاضي الفاضل عبد الرّحيم بن عليّ البيساني. فاقتدت بهم الدّولة الأيّوبية، ثم الدّولة التّركيّة في ذلك، وصار الأمر على هذا إلى اليوم.

وصار متولّي رتبة كتابة السّرّ أعظم أهل الدّولة، إلاّ أنّه في الدّولة التّركيّة يكون معه من الأمراء واحد يقال له «الدّوادار»، منزلته منزلة صاحب البريد في الزّمن الأوّل (١). ومنزلة كاتب السّرّ منزلة صاحب ديوان الإنشاء، إلاّ أنّه يتميّز بالتّوقيع على القصص تارة بمراجعة السّلطان، وتارة بغير مراجعة. فلذلك يحتاج إليه/ سائر أهل الدّولة من أرباب السّيوف والأقلام، ولا يستغني عن حسن سفارته نائب الشّام فمن دونه، وللّه الأمر كلّه.

و (a)) كان هذا الدّيوان (a).

وأمّا في الدّولة الأيّوبية، فإنّ كتّاب الدّرج كانوا في الدّولة الكامليّة قليلين جدّا، وكانوا في غاية الصّيانة والنّزاهة وقلّة الخلطة بالنّاس. واتّفق أنّ الصّاحب زين الدّين يعقوب بن الزّبير كان من جملتهم، فسمع عنه (b) الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب أنّه يحضر في السّماعات، فصرفه من ديوان الإنشاء، وقال: هذا الدّيوان لا يحتمل مثل هذا.


(a-a) ساقطة من بولاق، وأمامها في هامش آياصوفيا: بياض سبعة أسطر.
(b) ساقطة من بولاق.
(١) فيما تقدم ٧٢٠.