بين يدي الوزير صاحب الباب وإسفهسلار العساكر، وبين أيديهما الحجّاب والنّوّاب على طبقاتهم، ويكون هذا الجلوس يومين في الأسبوع (١). وآخر من تقلّد المظالم في الدّولة الفاطمية، رزّيك ابن الوزير الأجلّ الملك/ الصّالح طلائع بن رزّيك في وزارة أبيه، وكتب له سجلّ عن الخليفة منه:
«وقد قلّدك أمير المؤمنين النّظر في المظالم، وإنصاف المظلوم من الظّالم»(٢).
وكانت الدّولة إذا خلت من وزير صاحب سيف، جلس للنّظر في المظالم صاحب الباب في باب الذّهب من القصر، وبين يديه الحجّاب والنّقباء، وينادي مناد بحضرته: يا أرباب الظّلامات، فيحضرون إليه: فمن كانت ظلامته مشافهة أرسلت إلى الولاة أو القضاة رسالة بكشفها. ومن تظلّم من أهل النّواحي التي خارج القاهرة ومصر، فإنّه يحضر قصّة فيها شرح ظلامته، فيتسلّمها الحاجب منه حتى تجتمع القصص، فيدفعها إلى الموقّع بالقلم الدّقيق فيوقّع عليها. ثم تحمل بعد توقيعه عليها إلى الموقّع بالقلم الجليل، فيبسط ما أشار إليه الموقّع بالقلم الدّقيق. ثم تحمل التّواقيع في خريطة إلى ما بين يدي الخليفة فيوقّع عليها. ثم تخرج في خريطتها إلى الحاجب، فيقف على باب القصر، ويسلّم كلّ توقيع لصاحبه (a) (٣).
وأوّل من بنى دار العدل من الملوك السّلطان الملك العادل نور الدّين محمود بن زنكي بدمشق عندما بلغه تعدّي ظلم نوّاب أسد الدّين شيركوه بن شاذي إلى الرّعيّة، وظلمهم النّاس، وكثرة شكواهم إلى القاضي كمال الدّين الشّهرزوري وعجزه عن مقاومتهم. فلمّا بنيت دار العدل أحضر شير كوه نوّابه وقال: إنّ نور الدّين ما أمر ببناء هذه الدّار إلاّ بسببي، واللّه لئن أحضرت إلى دار العدل بسبب أحدكم (b) لأصلّبنّه، فامضوا إلى كلّ من كان بينكم وبينه منازعة في ملك أو غيره فافصلوا الحال معه وأرضوه بكلّ طريق أمكن ولو أتى على جميع ما بيدي؛ فقالوا: إنّ النّاس إذا علموا بذلك اشتطّوا في الطّلب. فقال: خروج (c) أملاكي من يدي أسهل عليّ من أن يراني
(a) بولاق: إلى صاحبه. (b) بولاق: أحد منكم. (c) بولاق: لخروج. (١) فيما تقدم ٣٣٧: ٢ - ٣٣٩، ٣٤٠ - ٣٤٢. (٢) ابن الطوير: نزهة المقلتين ٩٠؛ ابن الفرات: تاريخ الدول والملوك ١٤٦: ١/ ٤، وانظر نصّ السّجلّ عند القلقشندي: صبح الأعشى ٣٢٥: ١٠ - ٣٣٧. (٣) نفسه ١٢٠؛ نفسه ١٣٥: ١/ ٤؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ٣٣٥: ٣؛ وفيما تقدم ٣٣٧: ٢.