نور الدّين بعين أنّي ظالم، أو يساوي بيني وبين أحد من العامّة في الحكومة. فخرج أصحابه وعملوا ما أمرهم به من إرضاء أخصامهم، وأشهدوا عليهم (١).
فلمّا جلس نور الدّين بدار العدل في يومين من الأسبوع، وحضر عنده القاضي والفقهاء، أقام مدّة لم يحضر أحد يشكو شيركوه. فسأل عن ذلك فعرّف بما جرى منه ومن نوّابه فقال:«الحمد للّه الذي جعل أصحابنا ينصفون من أنفسهم قبل حضورهم عندنا»(٢).
وجلس أيضا السّلطان الملك النّاصر صلاح الدّين يوسف بن أيّوب، في يومي الاثنين والخميس، لإظهار العدل. ولمّا تسلطن الملك المعزّ عزّ الدّين (a) أيبك التّركماني، أقام الأمير علاء الدّين أيدكين البندقداري في نيابة السّلطنة بديار مصر (٣). فواظب الجلوس بالمدارس (b) الصّالحيّة بين القصرين ومعه نوّاب دار العدل، ليرتّب الأمور وينظر في المظالم. فنادى بإراقة الخمور، وأبطل (c) ما عليها من المقرّر.
وكان قد كثر الإرجاف بمسير الملك النّاصر صلاح الدّين يوسف بن العزيز محمد بن الظّاهر غازي ابن السّلطان صلاح الدّين يوسف بن أيّوب صاحب الشّام، لأخذ مصر. فلمّا انهزم الملك النّاصر، واستبدّ الملك المعزّ أيبك، أحدث وزيره من المكوس شيئا كثيرا (٤).
ثم إنّ الملك الظّاهر ركن الدّين بيبرس البندقداري بنى دار العدل، وجلس بها للنّظر في المظالم كما تقدّم. فلمّا بنى الإيوان الملك النّاصر محمد بن قلاوون، واظب الجلوس يوم الاثنين والخميس فيه، وصار يفصل فيه المحاكمات (d) في الأحايين إذا أعيى من دونه فصلها (٥).
(a) ساقطة من بولاق. (b) بولاق: في المدارس. (c) بولاق: إبطال. (d) بولاق: الحكومات. (١) ابن الأثير: التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية ١٦٨؛ ابن قاضي شهبة: الكواكب الدرية في السيرة النورية ٢٣. (٢) ابن قاضي شهبة: الكواكب الدرية ٢٤. (٣) الأمير علاء الدّين أيدكين البندقداري، أحد أعيان الأمراء الصّالحية، وهو أستاذ السّلطان الملك الظّاهر بيبرس، توفي سنة ٦٨٤ هـ/ ١٢٨٥ م. (الصفدي: الوافي بالوفيات ٤٩١: ٩ - ٤٩٢؛ ابن أيبك: كنز الدرر ٢٧٦: ٨؛ ابن الفرات: تاريخ الدول ٣٣: ٨؛ المقريزي: السلوك ٧٣٠: ١؛ العيني: عقد الجمان ١٧٥: ٢، ٣٤٦؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٣٦٥: ٧، المنهل الصافي ١٥٥: ٣ - ١٥٦). (٤) هو الوزير شرف الدّين هبة اللّه بن صاعد الفائزي، انظر عنه وعن المكوس التي أحدثها فيما تقدم ٢٨٣: ١، وهذا المجلد ٤٠٩، وفيما يلي ٧٦٧. (٥) راجع، Nielsen، J.S.، «Mazalim and Dar al-Adl under the Early Mamluks»، MW ٦٦ (١٩٧٦)، pp. ١١٤ - ٣٢; id.، Secular Justice in an Islamic State; Mazalim under the Bahrl