للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمّا مات الملك النّاصر، اقتدى به في ذلك أولاده من بعده، واستمرّوا على الجلوس بالإيوان، (a)) ولم تزل به الخدمة مستمرّة لا يمكن تأخيرها إلاّ عند سفر السّلطان أو مرضه أو خلوّ التّخت من ملك (a)، إلى أن استبدّ بمملكة مصر الملك الظّاهر برقوق، فالتزم ذلك أيضا إلاّ أنّه صار يجلس فيه إذا طلعت الشّمس جلوسا يسيرا يقرأ عليه فيه بعض قصص لا لمعنى سوى إقامة رسوم المملكة فقط (١).

وكان من قبله من الملوك بني قلاوون إنّما يجلسون بالإيوان سحرا على الشّمع، وكان موضع جلوس السّلطان في الإيوان للنّظر في المظالم. فأعرض الملك الظّاهر عن ذلك، وجعل لنفسه يومين يجلس فيهما بالإسطبل السّلطاني (٢) للحكم بين النّاس - كما سيأتي ذكره عن قريب إن شاء اللّه تعالى (٣) - وصار الإيوان في الأيّام الظّاهرية برقوق، وأيّام ابنه الملك النّاصر فرج وأيّام الملك المؤيّد شيخ، إنّما هو شيء من بقايا الرّسوم الملوكية لا غير.

ذكر النّظر في المظالم - اعلم أنّ النّظر في المظالم عبارة عن قود المتظالمين إلى التّناصف بالرّهبة وزجر المتنازعين عن التجاحد بالهيبة. وكان من شرط (b) النّاظر في المظالم أن يكون جليل القدر، نافذ الأمر، عظيم الهيبة، ظاهر العفّة، قليل الطّمع، كثير الورع. لأنّه يحتاج في نظره إلى سطوة الحماة وتثبّت القضاة، فيحتاج الجمع بين صفتي الفريقين، وأن يكون بجلالة القدر نافذ الأمر في الجهتين. وهي خطّة حدثت لفساد النّاس، وهي كلّ حكم يعجز عنه القاضي فينظر فيه من هو أقوى منه يدا.

وأوّل من نظر في المظالم من الخلفاء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب - رضي اللّه تعالى عنه.

وأوّل من أفرد للظّلامات يوما يتصفّح فيه قصص المتظلّمين، من غير مباشرة النّظر، عبد الملك بن مروان. فكان إذا وقف منها على مشكل أو احتاج فيها إلى حكم، ينفذ ردّه إلى قاضيه (c) ابن إدريس الأودي (d) فينفذ فيه أحكامه. وكان ابن إدريس هو المباشر، وعبد الملك الآمر. ثم زاد الجور فكان عمر بن عبد العزيز أوّل من ندب نفسه للنّظر في المظالم فردّها.


(a-a) إضافة من مسودة الخطط.
(b) بولاق: شروط.
(c) بياض بآياصوفيا.
(d) بولاق: الأزدي.
(١) المقريزي: مسودة الخطط ٦٦ ظ.
(٢) فيما تقدم ٦٥٤ هـ ١.
(٣) فيما يلي ٦٦٦.