وجعل بالإيوان باب سرّ يدخل منه إلى القصر، وعمل بباب الإيوان حديدا مسبوكا (a) بصناعة بديعة تمنع الدّاخل إليه، وله باب منه يغلق، فإذا أراد أن يجلس فتح حتى ينظر منه ومن تخاريم الحديد بقيّة العسكر الواقفين بساحة الإيوان. وقرّر للجلوس فيه بنفسه يوم الاثنين ويوم الخميس، فاستمرّ الأمر على ذلك.
وكان أوّلا دون ما هو اليوم، فوسّع في قبّته، وزاد في ارتفاعه، وجعل قدّامه دركاه كبيرة، فجاء من أعظم المباني الملوكية (١).
وأوّل ما جلس فيه عند انتهاء عمل الرّوك، بعد ما رسم لنقيب الجيش أن يستدعي سائر الأجناد. فلمّا تكامل حضورهم/ جلس، وعيّن أن يحضر في كلّ يوم مقدّما ألوف بمضافيهما. فكان المقدّم يقف بمضافيه، ويستدعي من تقدمته بمضافيه على قدر منازلهم.
فيتقدّم الجنديّ إلى السّلطان فيسأله: أنت ابن من ومملوك من؟ ثم يعطيه مثالا (٢). واستمرّ على ذلك من مستهلّ المحرّم سنة خمس عشرة وسبع مائة إلى مستهلّ صفر منها. وما برح بعد ذلك يواظب على الجلوس به في يومي الاثنين والخميس، وعنده أمراء الدّولة والقضاة والوزير وكاتب السّر وناظر الجيش وناظر الخاصّ وكتّاب الدّست، وتقف الأجناد بين يديه على قدر أقدارهم.
(a) العبارة في بولاق: وعمل باب الإيوان مسبوكا من حديد. (١) هنا على هامش (ص): «جدّده وزخرفه وتتبّع رخامه ودهانه وجدّد واجهته السّلطان الملك الأشرف قايتباي». وانظر أيضا عن الإيوان الذي جدّده النّاصر محمد بن قلاوون سنة ٧٣٤ هـ/ ١٣٣٣ م، ابن أبيك: كنز الدرر ٣٢٨: ٩، ٣٧٢ - ٣٧٣؛ ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار ٣٦، ٨١؛ المقريزي: السلوك ١٠٧: ٢، ١٤٨ - ١٤٩؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٣٦٩: ٣؛ أبا المحاسن: النجوم الزاهرة ٥١: ٩، ١٨٠؛ ابن إياس ٣٥٨: ٢/ ١ (حيث فرش في سنة ٧٨٧ هـ/ ١٣٨٦ م ببسط جدد أمر بعملها الأشرف شعبان في الكرك، ٦٠: ٣ (تجديد الأشرف قايتباي له)؛ جومار: وصف مدينة القاهرة ٢٣٢ - ٢٣٤؛ Casanova، P.، op.cit.، pp. ٦٢٩ - ٣٥ (الترجمة العربية ١٢٣ - ١٢٧)؛ Behrens-Abouseif، D.، The Citadel of Cairo، pp. ٣٥ - ٤٥; Rabbat، N.، The Citadel of Cairo، pp. ١٩١ - ٩٣، ٢٤٤ - ٦٣. وقد اندثر الآن هذا الإيوان وإن كان قد حفظ لنا له رسمان قبل هدمه ليحلّ محلّه جامع محمد علي باشا وملحقاته بالقلعة (١٨٣٠ - ١٨٤٨ م)، أحدهما في كتاب «وصف مصر» والآخر في كتاب روبرت هاي Hay، R.، Illustrations of Cairo، London ١٨٤٠ (انظر اللوحات الملحقة). (٢) انظر عن المثال، فيما يلي ٧٠٥ هـ ٥.