ولمّا انتهى إحصاء (a) الفقراء أخذ منهم لنفسه ألوفا، وجعل باسم ابنه الملك السّعيد ألوفا، وأمر ديوان الجيش فوزّع باقيهم وجعل (b) على كلّ أمير من الفقراء بعدّة رجاله، ثم فرّق ما بقي على الأجناد ومفاردة الحلقة والمقدّمين والبحريّة، وجعل طائفة التّركمان ناحية، وطائفة الأكراد ناحية، وقرّر لكلّ واحد من الفقراء كفايته لمدّة ثلاثة أشهر (١).
فلمّا تسلّم الأمراء والأجناد ما خصّهم من الفقراء، فرّق من بقي منهم على الأكابر والتّجّار والشّهود، وعيّن لأرباب الزّوايا مائة إردبّ قمح في كلّ يوم، تخرج من الشّون السّلطانية إلى جامع أحمد بن طولون، وتفرّق من هناك. ثم قال:«هؤلاء المساكين الذين جمعناهم اليوم ومضى النّهار لا بدّ لهم من شيء». وأمر ففرّق في كلّ منهم نصف درهم ليتقوّت به في يومه، ويستمرّ له من الغد ما تقرّر. فأنفق فيهم/ جملة مال، وأعطى للصّاحب بهاء الدّين عليّ بن محمد بن حنّا طائفة كبيرة من العميان، وأخذ الأتابك سيف الدّين أقطاي طائفة التّركمان.
ولم يبق أحد من الخواصّ والأمراء والحواشي ولا من الحجّاب والولاة وأرباب المناصب وذوي المراتب وأصحاب الأموال حتى أخذ جماعة من الفقراء على قدر حاله. وقال السّلطان للأمير صارم الدّين (c) المسعودي - والي القاهرة:«خذ مائة فقير وأطعمهم للّه تعالى». فقال: نعم وأخذتهم دائما. فقال له السّلطان:«هذا شيء فعلته ابتداء من نفسك، وهذه المائة خذها لأجلي». فقال للسّلطان: السّمع والطّاعة، وأخذ مائة فقير زيادة على المائة التي عيّنت له (٢).
وانقضى النّهار في هذا العمل، وشرع النّاس في فتح الشّون والمخازن وتفرقة الصّدقات على الفقراء. فنزل سعر القمح، ونقص الإردب عشرين درهما، وقلّ وجود الفقراء، إلى أن دخل (d) شهر رمضان، وجاء المغلّ الجديد، فأوّل يوم أبيع الجديد نقص سعر إردبّ القمح أربعين درهما ورقا.
(a) بولاق: إحضار، المسودة: حصر. (b) ساقطة من بولاق. (c) بياض في آياصوفيا. (d) بولاق: جاء. (١) بيبرس الدوادار: زبدة الفكرة ٨٧ - ٨٨؛ العيني: عقد الجمان ٣٧٥: ١ - ٣٧٦. (٢) ابن عبد الظاهر: الروض الزاهر ١٨٩.