للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأحضرت مرافعة في ورقة مختومة، رفعها خادم أسود في مولاه القاضي شمس الدّين (a) شيخ الحنابلة، تضمّنت أنّه يبغض السّلطان ويتمنّى زوال دولته، فإنّه لم يجعل للحنابلة مدرّسا في المدرسة التي أنشأها بخطّ بين القصرين، ولم يولّ قاضيا حنبليّا، وذكر عنه أمورا قادحة. فبعث السّلطان الورقة إلى الشّيخ، فحضر إليه وحلف أنّه ما جرى منه شيء، وأنّ هذا الخادم طردته فاختلق عليّ ما قال. فقبل السّلطان عذره، وقال: ولو شتمتني أنت في حلّ. وأمر بضرب الخادم فضرب (b) مائة عصا (١).

وغلت الأسعار بمصر حتى بلغ إردبّ القمح نحو مائة درهم وعدم الخبز، فنادى السّلطان في الفقراء أن يجتمعوا تحت القلعة، ونزل في يوم الخميس سابع ربيع الآخر منها، وجلس بدار العدل هذه، ونظر في أمر السّعر، وأبطل التّسعير، وكتب مرسوما إلى الأمراء ببيع خمس مائة إردبّ، في كلّ يوم ما بين ويبتين (c) إلى ما دونهما، حتى لا يشتري الخزّان شيئا، وأن يكون البيع للضّعفاء والأرامل فقط دون من عداهم. وأمر الحجّاب فنزلوا تحت القلعة، وكتبوا أسماء الفقراء الذين تجمّعوا بالرّميلة (٢)، وبعث إلى كلّ جهة من جهات القاهرة ومصر وضواحيهما حاجبا لكتابة أسماء الفقراء، وقال: واللّه لو كان عندي غلّة تكفي هؤلاء لفرّقتها.


(a) بياض بآياصوفيا وباريس مقدار كلمة.
(b) فضرب: ساقطة من بولاق.
(c) بولاق: مائتين.
(١) ابن عبد الظاهر: الروض الزاهر ١٨٣.
(٢) الرّميلة. هي الفضاء المتّسع المحصور الآن بين باب القلعة الغربي المعروف بباب العزب وبين جامع الرّفاعي وجامع ومدرسة السّلطان حسن وقسم الخليفة من الغرب، وأوّل سكّة المحجر ومدرسة قاني باى أمير آخور الرّمّاح حتى جامع الرّفاعي (ودخل مسجد المحمودية الذي بني سنة ٩٧٥ هـ/ ١٥٦٨ م في الحد الشمالي للميدان) من الشّمال، ويمتدّ حدّه الجنوبي من سبيل المؤمني (المسجل بالآثار برقم ١٤٨) بأوّل شارع السّيّدة عائشة إلى متحف مصطفى كامل وبقيّة حديقة المنشيّة حتى جنوب باب العزب بمسافة ثلاثين مترا. وهو الميدان المعروف الآن بميدان صلاح الدّين والذي كان يعرف من قبل بقره ميدان (أي الميدان الأسود) وميدان المنشيّة.
وسمّي الميدان بالرّميلة لأنّ أرضه والأرض المحيطة به كانت واقعة بين شرفين: الشّرف الذي بنيت عليه قلعة الجبل شرقا، والشّرف الذي بنيت عليه قلعة الكبش حيث مسجد ابن طولون. ولأنّ الميدان كان ملتقى وامتدادا لرمالهما سمّي بالرّميلة، وكان يطلق عليه أحيانا الرّملة. (محمد الششتاوي: ميادين القاهرة في العصر المملوكي ٧ - ٩؛ وانظر فيما يلي ٢٢٨: ٢ الميدان بالقلعة الذي يمثل امتداد الرّميلة من الجنوب تجاه باب القرافة وميدان السيدة عائشة؛ وتعدّ بهيجة السيد حسن رسالة دكتوراه بكلية الآثار - جامعة القاهرة، موضوعها: «الظّاهر الجنوبي للقاهرة: الرّميلة منذ النّشأة إلى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي - دراسة أثرية حضارية».