وفي اليوم الذي جلس فيه السّلطان بدار العدل للنّظر في أمور الأسعار، قرئت عليه قصّة ضمان دار الضّرب، وفيها أنّه قد توقّفت الدّراهم، وسألوا إبطال النّاصريّة فإنّ ضمانهم بمبلغ مائتي ألف وخمسين ألف درهم. فوقّع عليها «يحطّ عنهم منها مبلغ خمسين ألف درهم»، وقال:«نحطّ هذا، ولا نؤذي النّاس في أموالهم»(١).
وفي مستهل شهر رجب منها جلس أيضا بدار العدل، فوقف له بعض الأجناد بصغير يتيم ذكر أنّه وصيّه، وشكا من قضيّة؛ فقال السّلطان لقاضي القضاة تاج الدّين عبد الوهّاب ابن بنت الأعزّ: إنّ الأجناد إذا مات أحد منهم استولى خوشداشه (a) على موجوده، فيموت الوصيّ ويكبر اليتيم فلا يجد له مالا. وتقدّم إليه ألاّ يمكّن وصيّا من الانفراد بتركة ميّت، ولكن يكون نظر القاضي شاملا له، وتصير أموال الأيتام مضبوطة بأمناء الحكم، ثم إنّه استدعى نقباء العساكر وأمرهم بذلك، فاستمرّ الحال فيه على ما ذكر (٢).
وفي خامس عشرين شعبان سنة ثلاث وستين وستّ مائة جلس بدار العدل، واستدعى تاج الدّين ابن القرطي (b)، وقال له: قد أضجرتني ممّا تقول عندي مصالح لبيت المال، فتحدّث الآن بما عندك. فتكلّم في حقّ قاضي القضاة تاج الدّين، وفي حقّ متولّي جزيرة سواكن، وفي حقّ الأمراء وأنّهم إذا مات منهم أحد أخذ ورثته أكثر من استحقاقهم، فأنكر عليه وأمر بحبسه.
وتحدّث السّلطان في أمر الأجناد، وأنّه إذا مات أحدهم في مواطن الجهاد لا يصل إليه شاهد حتى يشهد عليه بوصيّته، وأنّه يشهد بعض أصحابه، فإذا حضر إلى القاهرة لا تقبل شهادته - وكان الجندي في ذلك الوقت لا تقبل شهادته - فرأى السّلطان أنّ كلّ أمير يعيّن من جماعته عدّة ممّن يعرف خبره ودينه ليسمع قولهم، وألزم مقدّمي الأجناد بذلك. فشرع قاضي القضاة في اختيار رجال جياد من الأجناد، وعيّنهم لقبول شهادتهم. ففرحت العساكر بذلك.
وجلس أيضا في تاسع عشرينه بدار العدل. فوقف له شخص، وشكا أنّ الأملاك الدّيوانية لا يمكّن أحد من سكّانها أن ينتقل منها. فأنكر السّلطان ذلك، وأمر أنّ من انقضت مدّة إجارته وأراد الخلوّ، فلا يمنع من ذلك. وله في ذلك عدّة أخبار كلّها صالحة.
(a) بولاق: خجداشه. (b) بولاق: القرطبي. (١) ابن عبد الظاهر: الروض الزاهر ١٩٠. (٢) نفسه ١٩٧ - ١٩٨.