الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب، واحترز على الحراج (a)، ومنع النّاس من التصرّف في أعواد العمل، وتقدّم بعمارة الشّواني في ثغري الإسكندرية ودمياط. وصار ينزل بنفسه إلى الصّناعة بمصر، ويرتّب ما يجب ترتيبه في عمل الشّواني ومصالحها، واستدعى بشواني الثّغور إلى مصر، فبلغت زيادة على أربعين قطعة، سوى الحراريق والطّرائد فإنّها كانت عدّة كثيرة، وذلك في شوّال سنة تسع وستين وست مائة.
ثم سارت تريد قبرس، وقد عمل ابن حسّون رئيس الشّواني في أعلامها الصّلبان (١)، يريد بذلك أنّها تخفى إذا عبرت البحر على الفرنج حتى تطرقهم على غفلة، فكره النّاس منه ذلك.
فلمّا قاربت قبرس، تقدّم ابن حسّون في اللّيل ليهجم الميناء، فصدم الشّونة المقدّمة شعبا فانكسرت، وتبعتها بقيّة الشّواني فتكسّرت الشّواني كلّها (٢). وعلم بذلك متملّك قبرس (٣)، فأسر كلّ من فيها، وأحاط بما معهم، وكتب إلى السّلطان يقرّعه ويوبّخه، وأنّ شوانيه قد تكسّرت وأخذ ما فيها - وعدّتها إحدى عشرة شونة - وأسر رجالها. فحمد السّلطان اللّه تعالى، وقال:
«الحمد للّه منذ ملّكني اللّه تعالى، ما خذل لي عسكر ولا ذلّت لي راية، وما زلت أخشى العين، فالحمد للّه تعالى بهذا ولا بغيره»(٤).
وأمر بإنشاء عشرين شونة، وأحضر خمس شواني كانت على مدينة قوص من صعيد مصر، ولازم الركوب إلى صناعة العمارة بمصر كلّ يوم، في مدّة شهر المحرّم سنة سبعين وستّ مائة إلى أن تنجّزت، فلمّا كان في نصف المحرّم سنة إحدى وسبعين وستّ مائة زاد النّيل حتى لعبت الشّواني بين يديه، فكان يوما مشهودا (b).
(a) بولاق: الخراج. (b) على هامش آياصوفيا: بياض ثمانية أسطر. (١) الخبر عند بيبرس الدوادار «أن تطلى الشّواني بالقار ويعمل عليها الصّلبان لتشتبه على الفرنج بشوانيهم» (زبدة الفكرة ١٢٩، وكذلك العيني: عقد الجمان ٧٤: ٢ فهو ينقل عن بيبرس الدوادار). (٢) انظر خبر حملة قبرس كذلك عند ابن عبد الظاهر: الروض الزاهر ٣٨٦ - ٣٨٧؛ بيبرس الدوادار: زبدة الفكرة ١٢٩ - ١٣٠؛ النويري: نهاية الأرب ١٧٨: ٣٠ - ١٧٩؛ ابن أبيك: كنز الدرر ١٦٢: ٨؛ المقريزي: السلوك ٥٩٣: ١ - ٥٩٤؛ العيني: عقد الجمان ٧٣: ٢ - ٧٦؛ أبي المحاسن: النجوم الزاهرة ١٥٤: ٧؛ سعيد عبد الفتاح عاشور: قبرس والحروب الصليبية، القاهرة ١٩٥٧، ٤٧ - ٤٩. (٣) متملّك قبرس هو Hugh de Lusignan. (٤) أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١٥٥: ٧.