وكان في غربي مصر مدينة يقال لها: قرميدة بها قوم قد ملّكوا عليهم امرأة ساحرة (٢) فغزاهم فلم ينل منهم قصدا ورجع، فأرادت ملكتهم إفساد مصر، فعملت من سحرها وأمرت فألقي في النّيل، ففاض الماء على المزارع حتى أفسدها، وكثرت التّماسيح والضّفادع، وفشت الأمراض في الناس، وانبثّت فيهم الثّعابين والعقارب. فأحضر ماليق الكهنة والحكماء في دار حكمتهم، وألزمهم بالنّظر لذلك؛ فنظروا في نجومهم فرأوا أن هذه الآفة أتتهم من ناحية الغرب، وأنّ امرأة عملته وألقته في النّيل، فعلموا حينئذ أنّه من فعل تلك السّاحرة، واجتهدوا في دفع ذلك بما عندهم من العلم حتى انكشف عنهم الماء الفاسد وهلكت الدّوابّ المضرّة. وجهّزوا قائدا في جيش إلى المدينة، فلم يجدوا بها غير رجل واحد، فأخذوا من الأموال والجواهر والأصنام ما لا يحصى؛ فمن ذلك صورة كاهن من زبرجد أخضر، على قائمة من حجر الأسباذشم (a)، وصورة روحانيّ من ذهب رأسه من جوهر أحمر، وله جناحان من درّ، وفي يده مصحف فيه كثير من علومهم في دفّتين مرصّعتين بجوهر، ومطهرة من ياقوت أزرق على قاعدة زجاج أخضر، فيها ماء لدفع الأسقام، وفرس من فضّة، إذا عزّم عليه بعزائمه ودخّن بدخنته وركبه أحد طار به.
فأخضر ذلك وغيره من عجائب السّحرة وأصنامهم، والأموال والجواهر إلى مصر، ومعهم الرجل، فسأله الملك عن أعجب أعمالهم، قال: قصدهم بعض ملوك البربر بجمع كثيف وتخاييل هائلة، فأغلق أهل مدينتنا حصنهم ولجأوا إلى الأصنام، فأتى الكاهن إلى بركة عظيمة بعيدة القعر كانوا يشربون منها فجلس على حافتها، وأحاط رؤساء الكهنة بها، وأخذ يزمزم على الماء حتى فار، وخرج من وسطه نار، في وسطها وجه كدارة الشّمس لها ضوء، فخرّ الجماعة لها سجودا، وتلك الصّورة تعظم حتى صعدت وخرقت القبّة وسمع منها:«قد كفيتم شرّ عدوّكم». فقاموا وإذا بعدوّهم قد هلك وسائر من معه، وذلك أنّ صورة الشّمس التي ظهرت من الماء مرّت فصاحت عليهم صيحة هلكوا بها (٣).
(a) بولاق: الأسياديم. (١) النويري: نهاية الأرب ٩٥: ١٥ - ٩٦. (٢) عند النويري: يقال لها: سطفا. (٣) النويري: نهاية الأرب ٩٥: ١٥ - ٩٩، ونص المقريزي مختصر عن نص النويري الذي نقل نص ابن وصيف شاه كاملا.