للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وملك بعده ابنه أنساد (a)، ثم صا بن أنساد (a)، وقيل: صا بن مرقونس أخو أنساد، فعمل مرآة في مدينة منف ترى الأوقات التي تخصب فيها مصر وتجدب، وبنى بداخل الواحات مدينة، ونصب قرب البحر أعلاما كثيرة.

وعمل خلف المقطّم صنما يقال له: صنم الحيلة، فكان كلّ من تعذّر عليه أمر يأتيه ويبخّره فيتيسّر ذلك الأمر له. وجعل بحافة البحر الملح منارا يعلم منه أمر البحر وما يحدث فيه من أقصى ما يصل إليه البصر على مسيرة أيام، وهو أوّل من اتّخذها. ويقال: إنه بنى أكثر مدينة منف، وكلّ بنيان عظيم بالإسكندرية (١).

ولمّا ملك تدارس بن صا الأحياز كلّها بعد أبيه، وصفا له ملك مصر، بنى في غربيّ مدينة منف بيتا عظيما لكوكب الزّهرة، وأقام فيه صنما عظيما من لا زورد مذهّب، وتوّجه بذهب يلوح بزرقه، سوّره بسوارين من زبرجد أخضر. وكان الصّنم في صورة امرأة لها ضفيرتان من ذهب أسود مدبّر، وفي رجليها خلخالان من حجر أحمر شفّاف، ونعلان من ذهب، وبيدها قضيب مرجان، وهي تشير بسبّابتها كأنّها مسلّمة على من في الهيكل؛ وجعل بحذائها تمثال بقرة ذات قرنين وضرعين من نحاس أحمر مموّه بذهب، موشحة بحجر اللازورد، ووجه البقرة تجاه وجه الزّهرة، وبينهما مطهرة من أخلاط الأجساد، على عمود رخام مجزّع، وفي المطهرة ماء مدبّر يستشفى به من كلّ داء، وفرش الهيكل بحشيشة الزّهرة يبدّلونها في كلّ سبعة أيام؛ وجعل في الهيكل كراسي للكهنة قد صفّحت بالذهب والفضّة، وقرّب لهذا الصّنم ألف رأس من الضّأن والمعز والوحش والطّير، وكان يحضر يوم الزّهرة ويطوف به. وفرش الهيكل وستره، وجعل فيه تحت قبّته صورة رجل راكب على فرس، له جناحان، ومعه حربة في سنانها رأس إنسان معلّق.

ولم يزل هذا الهيكل إلى أن هدمه بخت نصّر في أيام ماليق بن تدارس (٢).

وكان موحّدا على دين قبطيم ومصرايم، خرج في جيش عظيم في البرّ والبحر فغزا البربر وأرض إفريقية وبلاد الأندلس وأرض الإفرنج إلى البحر، وعمل في البحر أعلاما زبر عليها اسمه


(a) الأصل وبولاق: إيساد.
(١) النويري: نهاية الأرب ٨٨: ١٥.
(٢) نفسه ٩٣: ١٥ - ٩٤، وانظر عن تحطيم بخت نصّر الهياكل والطلسمات المصرية فيما تقدم ٦٨.