للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتأخّر منها عقد جليل تسمّيه العامّة القوس، كان ممّا يلي جانبها الغربي، أدركناه باقيا إلى نحو سنة عشرين وثمان مائة، وبقي من أبراجها عدّة قد انقلب أكثرها، وبنى النّاس فوقها دورهم المطلّة على النّيل.

قال ابن المتوّج: ثم اشترى الملك المظفّر تقيّ الدّين عمر بن شاهنشاه بن أيّوب جزيرة مصر، المعروفة اليوم بالرّوضة، في شعبان سنة ستّ وستين وخمس مائة. وإنّما سمّيت بالرّوضة لأنّه لم يكن بالدّيار المصرية مثلها، وبحر النّيل حائز لها ودائر عليها. وكانت حصينة وفيها من البساتين والعمائر والثّمار ما لم يكن في غيرها.

ولمّا فتح عمرو بن العاص مصر تحصّن الرّوم بها مدّة. فلمّا طال حصارها وهرب الرّوم منها، خرّب عمرو بن العاص بعض أبراجها وأسوارها، وكانت مستديرة عليها، واستمرّت إلى أن عمّر حصنها أحمد بن طولون في سنة ثلاث وستين ومائتين، ولم يزل هذا الحصن حتى خرّبه النّيل.

ثم اشتراها الملك المظفّر تقيّ الدّين عمر المذكور، وبقيت على ملكه إلى أن سيّر السّلطان صلاح الدّين يوسف بن أيّوب ولده الملك العزيز عثمان إلى مصر ومعه عمّه الملك العادل، وكتب إلى الملك المظفّر بأن يسلّم لهما البلاد ويقدم عليه إلى الشّام. فلمّا ورد عليه الكتاب، ووصل ابن عمّه الملك العزيز وعمّه الملك العادل، شقّ عليه خروجه من الدّيار المصرية، وتحقّق أنّه لا عود له إليها أبدا. فوقف هذه المدرسة التي تعرف اليوم في مصر ب «المدرسة التّقويّة» - التي كانت تعرف بمنازل العزّ - ووقف عليها/ الجزيرة بكاملها (١)، وسافر إلى عمّه فملّكه حماة.

ولم يزل الحال كذلك إلى أن ولي الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب، فاستأجر الجزيرة من القاضي فخر الدّين أبي محمد عبد العزيز بن قاضي القضاة عماد الدّين أبي القاسم عبد الرّحمن ابن محمد بن عبد العليّ بن عبد القادر السّكّري، مدرّس المدرسة المذكورة، لمدّة ستين سنة في دفعتين، كلّ دفعة قطعة: فالقطعة الأولى من جامع غبن (a) إلى المناظر طولا وعرضا من البحر إلى البحر، واستأجر القطعة الثانية وهي باقي أرض الجزيرة (b) الدّائر عليها بحر النّيل حين ذاك واستولى على ما كان بالجزيرة من النّخل (b).


(a) بولاق: جامع عين.
(b-b) المثبت من آياصوفيا، وبولاق: بما فيها من النّخل والجمّيز والغروس.
(١) فيما يلي ٣٢٤: ٢.