ولم تزل هذه القلعة عامرة حتى زالت دولة بني أيّوب؛ فلمّا ملك السّلطان الملك المعزّ عزّ الدّين أيبك التّركماني - أوّل ملوك التّرك بمصر - أمر بهدمها (١)، وعمّر منها مدرسته المعروفة بالمعزّيّة في رحبة الحنّاء بمدينة مصر (٢). وطمع في القلعة من له جاه، فأخذ جماعة منها عدّة سقوف وشبابيك كثيرة وغير ذلك، وبيع من أخشابها ورخامها أشياء جليلة.
فلمّا صارت مملكة مصر إلى السّلطان الملك الظّاهر ركن الدّين بيبرس البندقداري، اهتمّ بعمارة قلعة الرّوضة، ورسم للأمير جمال الدّين موسى بن يغمور أن يتولّى إعادتها كما كانت.
فأصلح بعض ما تهدّم فيها، ورتّب فيها الجاندارية، وأعادها إلى ما كانت عليه من الحرمة. وأمر بأبراجها ففرّقت على الأمراء، وأعطى برج الزّاوية للأمير سيف الدّين قلاوون الألفي، والبرج الذي يليه للأمير عزّ الدّين الحلّي، والبرج الثّالث من بروج الزّاوية للأمير عزّ الدّين أرغان، وأعطى برج الزّاوية الغربي للأمير بدر الدّين الشّمسي، وفرّقت بقيّة الأبراج على سائر الأمراء، ورسم أن تكون بيوتات جميع الأمراء واسطبلاتهم فيها، وسلّم المفاتيح لهم.
فلمّا تسلطن الملك المنصور قلاوون الألفي، وشرع في بناء المارستان والقبّة والمدرسة المنصوريّة، نقل من قلعة الرّوضة هذه ما يحتاج إليه من عمد الصّوّان وعمد الرّخام التي كانت قبل عمارة القلعة في البرابي، وأخذ منها رخاما كثيرا وأعتابا جليلة ممّا كان في البرابي وغير ذلك (٣). ثم أخذ منها السّلطان الملك النّاصر محمد بن قلاوون ما احتاج إليه من عمد الصّوّان في بناء الإيوان المعروف بدار العدل من قلعة الجبل والجامع الجديد النّاصريّ ظاهر مدينة مصر، وأخذ غير ذلك حتى ذهبت كأن لم تكن (٤).
(١) في سنة ٦٤٩ هـ/ ١٢٥١ م (المقريزي: السلوك ٣٨١: ١). (٢) فيما تقدم ٥٥١ هـ ٢. (٣) فيما يلي ٤٠٧: ٢. (٤) فيما يلي ٦٥٩.