لأهل مصر. فاختارها الصّالح بن الكامل سرير السّلطنة، وبنى بها قلعة مسوّرة بسور ساطع اللّون، محكم البناء عالي السّمك، لم تر عيني أحسن منه.
وفي هذه الجزيرة كان «الهودج» الذي بناه الآمر خليفة مصر لزوجته البدويّة التي هام في حبّها، و «المختار» بستان الإخشيد وقصره، وله ذكر في شعر تميم بن المعزّ وغيره. ولشعراء مصر في هذه الجزيرة أشعار، منها قول أبي الفتح بن قادوس الدّمياطي (١):
[الوافر]
أرى سرح الجزيرة من بعيد … كأحداق تغازل في المغازل (a)
كأنّ مجرّة الجوزا أحاطت … وأثبتت المنازل في المنازل
وكنت أبيت (b) في بعض اللّيالي بالفسطاط على ساحلها، فيزدهيني ضحك البدر في وجه النّيل أمام سور هذه الجزيرة الدّرّي اللّون. ولم أنفصل عن مصر حتى كمل سور هذه القلعة، وفي داخله من الدّور السّلطانية ما ارتفعت إليه/ همّة بانيها، وهو من أعظم السّلاطين همّة في البناء.
وأبصرت في هذه الجزيرة إيوانا لجلوسه لم تر عينيّ مثاله، ولا يقدّر (c) ما أنفق عليه، وفيه من صفائح الذّهب والرّخام الأبنوسي والكافوري والمجزّع ما يذهل الأفكار، ويستوقف الأبصار.
ويفضل عمّا أحاط به السّور أرض طويلة، وفي بعضها حاظر حظر به على أصناف الوحوش التي يتفرّج عليها السّلطان، وبعدها مروج ينقطع فيها مياه النّيل فينظر منها (d) أحسن منظر.
وقد تفرّجت كثيرا في طرف هذه الجزيرة ممّا يلي برّ القاهرة، فقطعت فيه عشيّات مذهبات لم تزل لأحزان الغربة مذهبات.
وإذا زاد النّيل فصل ما بينها وبين الفسطاط بالكلّيّة. وفي أيّام احتراق النّيل يتّصل برّها ببرّ الفسطاط من جهة خليج القاهرة، ويبقى موضع الجسر يكون (e) فيه المراكب (f).
وركبت مرّة هذا النّيل أيّام الزّيادة مع الصّاحب المحسّن محيي الدّين [بن سعيد] (g) بن ندا وزير الجزيرة، وصعدنا إلى جهة الصّعيد، ثم انحدرنا واستقبلنا هذه الجزيرة وأبراجها تتلألأ والنّيل قد
(a) بولاق: مغازل. (b) بولاق: أشق. (c) بولاق: أقدر. (d) بولاق: بها. (e) ساقطة من بولاق. (f) بولاق: مراكب. (g) إضافة من النجوم الزاهرة لابن سعيد ٣١٨. (١) انظر عن ابن قادوس، فيما تقدم ٤٤٨: ٢ هـ ٢.