للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسجد وعمّر تلك القاعة مكانه وكملت (١).

وقدمت الفرنج إلى الدّيار المصرية، وخرج الملك الصّالح مع عساكره إليهم، ولم يدخل تلك القاعة التي بنيت في المكان الذي كان مسجدا. فتوفّي السّلطان في المنصورة، وجعل في مركب وأتي به إلى الجزيرة، فجعل في تلك القاعة التي بنيت مكان المسجد مدّة إلى أن بنيت له التّربة التي في جنب مدارسه بالقاهرة في جانب القصر (٢)، عفا اللّه عنه.

وكان النّيل - عندما عزم الملك الصّالح على عمارة قلعة الرّوضة - من الجانب الغربي، فيما بين الرّوضة وبرّ الجيزة، وقد انطرد عن برّ مصر، ولا يحيط بالرّوضة إلاّ في أيّام الزّيادة. فلم يزل يغرق السّفن في البرّ الغربي، ويحفر فيما بين الرّوضة ومصر ما كان هناك من الرّمال، حتى عاد ماء النّيل إلى برّ مصر، واستمرّ هناك، فأنشأ جسرا عظيما ممتدا من برّ مصر إلى الرّوضة، وجعل عرضه ثلاث قصبات (٣).

وكان الأمراء إذا ركبوا من منازلهم يريدون الخدمة السّلطانية بقلعة الرّوضة، يترجّلون عن خيولهم عند البرّ، ويمشون في طول هذا الجسر إلى القلعة، ولا يمكّن أحد من العبور عليه راكبا سوى السّلطان فقط.

ولمّا كملت تحوّل إليها بأهله وحرمه، واتّخذها دار ملك، وأسكن فيها معه مماليكه البحريّة، وكانت عدّتهم نحو الألف مملوك.

قال العلاّمة عليّ بن موسى بن محمد بن عبد الملك بن سعيد في كتاب «المغرب» وقد ذكر الرّوضة (٤): هي أمام الفسطاط فيما بينها وبين مناظر الجيزة، وبها مقياس النّيل، وكانت متنزّها


(١) انظر وصفا لهذه القاعة قبل زوالها قدّمه لنا ج. مارسيل، أحد علماء الحملة الفرنسية عند منقلب القرن الثامن عشر في كتابه Marcel، J.J.، «Memoire sur le Meqyas de l'ile de Roudah»، Description de l'Egypte، Etat moderne XV، Paris ١٨٢٦، pp. ٤٦٥ - . ٦٧; Creswell K.A.C.، MAE II، pp. ٨٤ - ٨٧ يقول الوصف: «إلى الشّرق من المقياس نلحظ كذلك بقايا قصر الصّالح نجم الدّين أيّوب. وتشغل أطلال هذا القصر المنطقة الواقعة في شرق جزيرة الرّوضة في الفضاء الواقع بين مبنى المقياس والذّراع الأيمن للنهر. ولم أجد أي نقش تبقّى من القصر، والشيء الوحيد الملاحظ والمتبقّي من هذا الأثر قاعة كبيرة مستطيلة عرضها ١٢، ٧٠ مترا من الشرق إلى الغرب، وطولها ١٤، ٦٠ مترا من الشمال إلى الجنوب، وتكوّن القبّة التي تعلو وسطها مستطيلا عرضه من الشرق إلى الغرب ٥، ٦٠ مترا وطوله من الشمال إلى الجنوب نحو ٦، ٨٠ مترا، ويدعم كل زاوية من زواياها الأربع ثلاثة دعائم أو أعمدة متصلة على شكل مثلّث. ويؤدّي إلى هذه القاعة عدد من الدهاليز المتباينة الأبعاد»؛ وعن تأثير هذه القاعة في العمارة المملوكية انظر المقدمة ....
(٢) فيما يلي ٣٧٤: ٢.
(٣) فيما تقدم ٥٦٤ - ٥٦٥.
(٤) الجزء الخاص بالجزيرة الصالحية، لم يصل إلينا.