للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنّه لمّا عمّر الملك الصّالح مناظر قلعة الجزيرة، قطعت النّخل (a) ودخلت في العمائر. وأمّا الجمّيز فإنّه كان بشاطئ بحر النّيل صفّ جمّيز يزيد على أربعين شجرة، وكان أهل مصر فرجهم تحتها في زمن النّيل والرّبيع، قطعت جميعها في الدّولة الظّاهريّة، وعمّر بها شواني عوض الشّواني التي كان قد سيّرها إلى جزيرة قبرس. ثم سلّم لمدرّس التّقويّة القطعة المستأجرة من الجزيرة أوّلا في سنة ثمان وتسعين وستّ مائة، وبقي بيد السّلطان القطعة الثانية.

وقد خربت قلعة الرّوضة، ولم يبق منها سوى أبراج قد بنى النّاس عليها، وبقي أيضا عقد باب من جهة الغرب يقال له «باب الإسطبل». وعادت الرّوضة بعد هدم القلعة منها متنزّها يشتمل على دور كثيرة، وبساتين عدّة، وجوامع تقام بها الجماعات والأعياد ومساجد. وقد خرب أكثر مساكن الرّوضة، وبقي فيها إلى اليوم بقايا (١).

وبطرف الرّوضة «المقياس» الذي يقاس فيه ماء النّيل اليوم، ويقال له «المقياس الهاشمي»، وهو آخر مقياس بني بديار مصر (٢). قال أبو عمر الكندي: وورد كتاب المتوكّل على اللّه بابتناء المقياس الهاشمي للنّيل، وبعزل النّصارى عن قياسه. فجعل يزيد بن عبد اللّه بن دينار، أمير مصر، أبا الرّدّاد المعلّم، وأجرى عليه سليمان بن وهب صاحب الخراج في كلّ شهر سبعة دنانير، وذلك في سنة سبع وأربعين ومائتين (٣).

وعلامة وفاء النّيل ستة عشر ذراعا أن يسبل أبو الرّدّاد، قاضي البحر، السّتر الأسود الخليفتي على شبّاك المقياس، فإذا شاهد النّاس هذا السّتر قد أسبل تباشروا بالوفاء، واجتمعوا على العادة للفرجة من كلّ صوب.

وما أحسن قول شهاب الدّين بن العطّار في تهتّك النّاس يوم تخليق المقياس (b)) عند اجتماعهم (b):

[البسيط]

تهتّك الخلق بالتّخليق قلت لهم … ما أحسن السّتر، قالوا العفو مأمول

ستر الإله علينا لا يزال فما … أحلى تهتّكنا والسّتر مسبول


(a) بولاق: النخيل.
(b-b) ساقطة من بولاق.
(١) هنا على هامش نسخة (ص): «والآن فقد استخدمها مولانا المقام الشّريف الملك الأشرف قايتباى جامعا وقصورا ومناظرا وجنانا إلى غير ذلك ممّا يبهج النّاظر ويسرّ الخاطر ويعجز الواصف عن وصفه لما اشتمل عليه من كلّ شيء أحسنه وأبهجه وللّه عاقبة الأمور».
(٢) انظر فيما تقدم ١٥٠: ١ - ١٥٢.
(٣) الكندي: ولاة مصر ٢٢٩.