أمير مصر، ومرّت به خطوب لكثرة فتن مصر إذ ذاك، وأحرقت دوره ودور أهله ومجاوريه، وأخذت أمواله، واستتر فقبض على خليفته وعمّاله.
فكتب إلى بغداد يسأل إمارة مصر، وكتب محمد بن تكين بالقدس يسأل ذلك، فعاد الجواب بإمارة ابن تكين، وأن يكون الماذرائي (a) يدبّر أمر مصر ويولّي من شاء. فظهر عند ذلك من الاستتار وأمر ونهى ودبّر أمر البلد، وصار الجيش بأسره يغدو إلى بابه، فأنفق في جماعة واصطنع قوما، وقتل عدّة من أصحاب بن تكين.
وكان محمد بن تكين بالقدس - وأمر مصر كلّه للماذرائي (a) بمفرده - ومعه أحمد بن كيغلغ، وقد قدم من بغداد بولاية ابن تكين على مصر وولاية أبي بكر الماذرائي (a) تدبير الأمور. فاستمال أبو بكر أحمد بن كيغلغ حتى صار معه على ابن تكين وحاربه، وكان من أمره ما كان إلى أن قدمت عساكر الإخشيد. فقام أبو بكر لمحاربتهم، ومنع الإخشيد من مصر، فكان الإخشيد غالبا له ودخل البلد. فاستتر منه أبو بكر إلى أن دلّ عليه، فأخذه وسلّمه إلى الفضل بن جعفر بن الفرات.
فلمّا صار إلى ابن الفرات قال له: إيش هذا الاستيحاش والتّستّر، وأنت تعلم أنّ الحجّ قد أطلّ ويحتاج لإقامة الحجّ؛ فقال له أبو بكر: إن كان إليّ فخمسة عشر ألف دينار؛ فقال ابن الفرات:
إيش خمسة عشر ألف دينار! قال: ما عندي غير هذا؛ فقال ابن الفرات: بهذا ضربت وجه السّلطان بالسّيف، ومنعت أمير البلد من الدّخول. ثم صاح: يا شادن، خذه إليك.
فأقيم وأدخل إلى بيت، وكان يومئذ صائما، فامتنع من تناول الطّعام والشّراب، ولزم تلاوة القرآن والصّلاة طول يومه وليلته وأصبح، فامتنع ابن الفرات من الأكل إجلالا له. فلمّا كان وقت الفطر من الليلة الثانية، امتنع أبو بكر من الفطر كما امتنع في الليلة الأولى، فامتنع ابن الفرات أيضا من الأكل، وقال: لا آكل أبدا، أو يأكل أبو بكر. فلمّا بلغ ذلك أبا بكر أكل.
فأخذ ابن الفرات في مصادرته، وقبض على ضياعه التي بالشّام ومصر، وتتبّع أسبابه، ثم خرج به معه إلى الشّام وعاد به إلى مصر، ثم خرج به ثانيا إلى الشّام. فمات الفضل بن الفرات بالرّملة ورجع أبو بكر إلى مصر. فردّ إليه الإخشيد أمور مصر كلّها، وخلع على ابنه، وتقلّد السّيف ولبس المنطقة، ولبس أبو بكر الدّرّاعة تنزّها.