للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم تنكّر عليه الإخشيد، وقبضه في سنة إحدى وثلاثين وثلاث مائة، وجعله في دار، وأعدّ له فيها من الفرش والآلات والأواني والملبوس والطّيب والطّرائف وأنواع المآكل والمشارب ما بلغ فيه الغاية، وتفقّدها بنفسه، وطافها كلّها. فقيل له: عملت هذا كلّه لمحمد بن عليّ الماذرائي (a).

فقال: نعم هذا ملك، وأردت ألاّ يحتقر بشيء لنا، ولا يحتاج أن يطلب حاجة إلاّ وجدها، فإنّه إن فقد عندنا شيئا ممّا يريده استدعي به من داره، فنسقط نحن من عينيه عند ذلك، فلم يزل معتقلا حتى خرج الإخشيد إلى لقاء أمير المؤمنين المتّقي للّه، فحمله معه.

ولمّا مات الإخشيد بدمشق كان أبو بكر بمصر، فقام بأمر أونوجور بن الإخشيد، وقبض على محمد بن مقاتل وزير الإخشيد، وأمر ونهى، وصرّف الأمور إلى أن كانت واقعة غلبون واتّصال أبي بكر به. فلمّا عادت الإخشيدية، قبض على أبي بكر. ونهبت دوره وأحرق بعضها، وأخذ ابنه، وقام أبو الفضل جعفر بن الفضل بن الفرات بأمر الوزارة.

فعندما قدم كافور الإخشيدي من الشّام بالعساكر التي كانت مع الإخشيد، أطلق أبا بكر وأكرمه، وردّ إليه ضياعه وضياع ابنه. فلمّا ماتت أمّ ولده، لحقه كافور ومعه الأمير أونوجور عند المقابر، وترجّلا له وعزّياه، ثم ركبا معه حتى صلّيا عليها. فلمّا مرض مرض موته، عاده كافور مرارا إلى أن مات (b) من (c) شهر شوّال سنة خمس وأربعين وثلاث مائة، فدفن بداره، ثم نقل إلى المقابر.

وكانت فضائله جمّة: منها أنّه أقام أربعين سنة يصوم الدّهر كلّه، ويركب كلّ يوم إلى المقابر بكرة وعشيّة، فيقف له الموكب حتى يمضي إلى تربة أولاده وأهله، فيقرأ عندهم ويدعو لهم، وينصرف إلى المساجد في الصّحراء فيصلّى بها والنّاس وقوف له إلاّ أنّه كان في غاية العجلة، لا يراجع فيما يريده ولو كان ما كان.

ولمّا أراد المقتدر أن يقيم وزيرا كتبت رقعة فيها أسماء جماعة، وأنفذت إلى عليّ بن عيسى ليشير بواحد منهم - وكان أبو بكر ممّن كتب معهم اسمه - فكتب تحت اسم كلّ واحد منهم ما يستحقّه من الوصف، وكتب تحت اسم أبي بكر محمد بن عليّ الماذرائي «مترف عجول».

وبنى أبو بكر السّقايات والمساجد في المعافر وفي يحصب وبني وائل، وليس لشيء منها اليوم/ أثر يعرف. ومرّت له في هذا الكتاب أخبار، وقد أفرد له ابن زولاق «سيرة» كبيرة وهذا منها.


(a) بولاق: المارداني.
(b) بياض بآياصوفيا.
(c) بولاق: في.