الصّعيد، إذا نزلت اليد عليها ذبلت، وإذا رفعت عنها تراجعت، وقد حملت إلى مصر وشوهدت. وبها نوع من الخشب يرسب في الماء كالأبنوس، وبها الخشب السّنط الذي يوقد منه القدر الكثير في الزّمن الطويل فلا يوجد له رماد.
وذكر ابن نصر المصري أنّه كان على باب القصر الكبير، الذي يقال له: باب الرّيحان عند الكنيسة المعلّقة، صنم من نحاس على خلقة الجمل، وعليه رجل راكب عليه عمامة، منتكب قوسا عربية، وفي رجليه نعلان، كانت الرّوم والقبط وغيرهم إذا تظالموا بينهم، واعتدى بعضهم على بعض، تجاروا إليه حتى يقفوا بين يدي ذلك الجمل، فيقول المظلوم للظّالم:«أنصفني قبل أن يخرج هذا الراكب الجمل فيأخذ الحقّ لي منك شئت أم أبيت» - يعنون بالرّاكب النّبيّ محمدا ﷺ فلمّا قدم عمرو بن العاص، غيّبت الرّوم ذلك الجمل لئلاّ يكون شاهدا عليهم.
قال ابن لهيعة: بلغني أنّ تلك الصّورة في ذلك الموضع قد أتى الآن عليها سنين لا يدرى من عملها.
قال القضاعيّ: فهذه عشرون أعجوبة من جملتها ما يتضمّن عدّة عجائب، فلو بسطت لجاء منها عدد كثير (١).
ويقال: ليس من بلد فيه شيء غريب إلاّ وفي مصر مثله أو شبيه به. ثم تفضل مصر على البلدان بعجائبها التي ليست في بلد سواها.
وفي كتاب «تحفة الألباب» أنّه كان بمصر بيت تحت الأرض فيه رهبان من النّصارى، وفي البيت سرير صغير من خشب، تحته صبيّ ميّت ملفوف في نطع قديم (a) مشدود بحبل، وعلى السرير مثل الباطية فيها أنبوب من نحاس فيه فتيل، إذا اشتغل الفتيل بالنّار وصار سراجا خرج من ذلك الأنبوب الزّيت الصّافي الحسن الفائق (b)، حتى تمتلئ تلك الباطية وينطفئ السّراج بكثرة الزّيت، فإذا انطفأ لم يخرج من الدّهن شيء، فإذا خرج الصّبيّ الميّت من تحت السّرير لم يخرج من الزّيت شيء، والباطية يرفعها (c) الإنسان فلا يرى تحتها شيئا ولا موضعا فيه ثقب؛ وأولئك الرّهبان يتعيّشون من ذلك الزّيت يشتريه الناس منهم فينتفعون به (٢).
(a) بولاق: أديم. (b) في تحفة الألباب: الرائق. (c) بولاق: يريقها. (١) ينتهي هنا نصّ القضاعي المنقول عن كتاب «البلدان» للجاحظ، ونقله كذلك ابن إياس: بدائع الزهور ١٣: ١/ ١ - ١٧ وبقيته «لا يحصى وليس في بلد شيء عجيب إلاّ وفي مصر مثله أو أعجب منه». (٢) أبو حامد الغرناطي: تحفة الألباب ١٣٣؛ وانظر عن المؤلف فيما يلي ٣١٣.