ويقال إنّما حلّيت الكعبة في ذلك العصر ممّا أهداه ملك مصر./ وقيل إنّه لكثرة ما كان يحمله طوطيس (a) إلى الحجاز سمّته العرب وجرهم «الصّادوق»، ويقال إنّه سأل إبراهيم ﵇ أن يبارك له في بلده، فدعا بالبركة لمصر، وعرّفه أنّ ولده سيملكها، ويصير أمرها إليهم قرنا بعد قرن.
وطوطيس (a) أوّل فرعون كان بمصر، وذلك أنّه أكثر من القتل حتى قتل قراباته وأهل بيته وبني عمّه وخدمه ونساءه وكثيرا من الكهنة والحكماء، وكان حريصا على الولد فلم يرزق ولدا غير ابنته حوريا.
وكانت حكيمة عاقلة تأخذ على يده كثيرا، وتمنعه من سفك الدّماء، فأبغضته ابنته، وأبغضه جميع الخاصّة والعامّة، فلمّا رأت أمره يزيد خافت على ذهاب ملكهم فسمّته، وهلك.
وكان ملكه سبعين سنة، واختلفوا فيمن يملك بعده، وأرادوا أن يقيموا واحدا من ولد أتريب، فقام بعض الوزراء ودعا لحوريا، فتمّ لها الأمر، وملكت (١).
فهذا كان أوّل أمر هذا الخليج. ثم حفره مرّة ثانية أدريان قيصر، أحد ملوك الرّوم، ومن النّاس من يسمّيه أندرويانوس، ومنهم من يقول هوريانوس. قال في «تاريخ مدينة رومة»: وولي الملك أدريان قيصر أحد ملوك الرّوم، وكانت ولايته إحدى وعشرين سنة، وهو الذي درس اليهود مرّة ثانية إذ كانوا راموا النّفاق عليه، وهو الذي جدّد مدينة يروشالم - يعني مدينة القدس -، وأمر بتبديل اسمها وأن تسمّى إيليا (٢).
وقال علماء أهل الكتاب (b) على ما نقلته من كنّاش قديم في ذكر حوادث الخليقه إلى الهجرة النّبويّة ﷺ، واخترت منه فوائد منها (b) عن أدريان هذا: وغزا القدس وأخربه في الثانية من ملكه، وكان ملكه في سنة تسع وثلاثين وأربع مائة من سني الإسكندر، وقتل عامّة أهل القدس، وبنى على باب مدينة القدس منارا، وكتب عليه «هذه مدينة إيليا» - ويسمّى موضع هذا العمود الآن محراب داود - ثم سار من القدس إلى بابل فحارب ملكها وهزمه، وعاد إلى مصر فحفر خليجا
(a) بولاق: طيطوس. (b-b) إضافة من مسودة الخطط. (١) النويري: نهاية الأرب ١٠٤: ١٥ - ١٠٧ ومصدره أيضا ابن وصيف شاه. (٢) ينقل المقريزي هنا مرّة أخرى من كتاب «تاريخ العالم» لباولوس أوروسيوس (هروشيوش) من القسم المخصص لتاريخ روما. (أوروسيوس: تاريخ العالم ٤٣٨).