للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم مدّ يده عليها فجفّت، وضربت عليه أعضاؤه وعصبه، فاستغاث بها وأقسم بالآلهة أنّها إن أزالت عنه ذلك فإنّه لا يعاودها، فسألت اللّه تعالى فزال عنه ذلك، ورجع إلى حاله (١). فقال: إنّ لك لربّا عظيما لا يضيّعك؛ فأعظم قدرها وسألها عن إبراهيم، فقال: هو قريبي وزوجي؛ قال:

فإنّه قد ذكر أنّك أخته؛ قالت: صدق أنا أخته في الدّين، وكلّ من كان على ديننا فهو أخ لنا؛ قال: نعم الدّين دينكم.

ووجّه بها إلى ابنته حوريا - وكانت من الكمال والعقل بمكان كبير - فألقى اللّه تعالى محبّة سارة في قلبها، فكانت تعظّمها وأضافتها أحسن ضيافة، ووهبت لها جوهرا ومالا. فأتت به إبراهيم فقال لها: ردّيه فلا حاجة لنا به، فردّته. وذكرت ذلك حوريا لأبيها، فعجب منهما وقال: هذا كريم (a) من أهل بيت الطّهارة، فتحيّلي في برّها بكلّ حيلة؛ فوهبت لها جارية قبطية من أحسن الجواري يقال لها آجر، وهي هاجر أمّ إسماعيل وجعلت لها سلالا من الجلود، وجعلت فيها زادا وحلوى، وقالت: يكون هذا الزّاد معك، وجعلت تحت الحلوى جوهرا نفيسا وحليّا مكلّلا. فقالت سارّة: أشاور صاحبي؛ فأتت إبراهيم واستأذنته، فقال: إذا كان مأكولا فخذيه، فقبلته منها.

وخرج إبراهيم، فلمّا مضى وأمعنوا في السّير، أخرجت سارة بعض تلك السّلال، فأصابت الجوهر والحليّ، فعرّفت إبراهيم ذلك، فباع بعضه وحفر من ثمنه البئر التي جعلها للسّبيل (٢)، وفرّق بعضه في وجوه البرّ، وكان يضيّف كلّ من مرّ به.

وعاش طوطيس (b) إلى أن وجّهت (c) هاجر من مكّة تعرّفه أنّها بمكان جدب وتستغيثه، فأمر بحفر نهر في شرقي مصر بسفح الجبل (d) حتى ينتهي إلى مرقى السّفن في البحر الملح، فكان يحمل إليها الحنطة وأصناف الغلاّت فتصل إلى جدّة، وتحمل من هناك على المطايا. فأحيا بلد الحجاز مدّة.


(a) عند النويري: هؤلاء من قوم كرام.
(b) بولاق: طيطوس.
(c) بولاق: توجهت، النويري: وجهت إليه.
(d) النويري: يمر بسفح الجبل.
(١) استعاض النويري عن رواية إبراهيم بن وصيف شاه هنا بحديث عن الرسول عن أبي هريرة أورده البخاري في صحيحه. (نهاية الأرب ١٠٤: ١٥ - ١٠٥).
(٢) حاشية بخط المؤلف: «هذه البئر بأرض فلسطين تعرف اليوم ببئر سبع، وهي قريبة من مدينة غزّة».