للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من النّيل إلى بحر القلزم، وسارت فيه السّفن، وبقي رسمه عند الفتح الإسلامي فحفره عمرو بن العاص، قال (a): وأصاب أهل مصر منه شدائد، وألزمهم بعبادة الأصنام. ثم عاد إلى بلاده بممالك الرّوم، فابتلي بمرض أعيى الأطبّاء، فخرج يسير في البلاد يبتغي من يداويه، فمرّ على بيت المقدس - وكان خرابا ليس فيه غير كنيسة للنّصارى - فأمر ببناء المدينة وحصّنها، وأعاد إليها اليهود، فأقاموا بها وملّكوا عليهم رجلا منهم. فبلغ ذلك أدريان قيصر، فبعث إليهم جيشا لم يزل يحاصرهم حتى مات أكثرهم جوعا وعطشا وأخذها عنوة، فقتل من اليهود ما لا يحصى كثرة، وأخرب المدينة حتى صارت فلاة (b) لا عامر فيها ألبتّة.

وتتبّع اليهود يريد ألاّ يدع منهم على وجه الأرض أحدا، ثم أمر طائفة من اليونانيين، فتحوّلوا إلى مدينة القدس وسكنوا فيها. فكان بين خراب القدس الخراب الثّاني على يد طيطس وبين هذا الخراب ثلاث وخمسون سنة، فعمرت القدس باليونان؛ ولم يزل قيصر هذا ملكا حتى مات.

فهذا خبر حفر هذا الخليج في المرّة الثانية، فلمّا جاء الإسلام جدّد عمرو بن العاص حفره.

قال ابن عبد الحكم (c)) في كتاب «فتوح مصر» (c): «ذكر حفر خليج أمير المؤمنين »: حدّثنا عبد اللّه بن صالح - (c)) أو غيره (c) -، عن اللّيث بن سعد، قال: إنّ النّاس بالمدينة أصابهم جهد شديد في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب في سنة الرّمادة، فكتب إلى عمرو بن العاص وهو بمصر:

«من عبد اللّه عمر أمير المؤمنين، إلى العاصي بن العاصي … سلام. أمّا بعد، فلعمري يا عمرو ما تبالي إذا شبعت أنت ومن معك أن أهلك أنا ومن معي، فياغوثاه، ثم ياغوثاه … » يردّد ذلك.

فكتب إليه عمرو بن العاص (d): «(e)) لعبد اللّه عمر أمير المؤمنين من عمرو بن العاص (e). أمّا بعد، فيا لبيّك ثم يا لبّيك، قد بعثت إليك بعير أوّلها عندك وآخرها عندي، والسّلام عليك ورحمة اللّه وبركاته». فبعث إليه بعير عظيمة. فكان أوّلها بالمدينة وآخرها بمصر، يتبع بعضها بعضا (١).


(a) إضافة من مسودة الخطط.
(b) بولاق: تلالا.
(c-c) إضافة من مسودة الخطط.
(d) ساقطة من بولاق.
(e-e) كذا في الأصول وفتوح مصر، وفي بولاق: من عبد اللّه عمرو بن العاص إلى أمير المؤمنين.
(١) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ١٦٢ - ١٦٣؛ ابن زولاق: فضائل مصر ٥٥ - ٥٦؛ ابن سعيد: المغرب في حلى المغرب ٤١؛ ابن ظهيرة: الفضائل الباهرة ١١٢ - ١١٣؛ مسودة الخطط ١٥٤ و- ظ.