وقال أحمد بن مدبّر: تحتاج مصر إلى ثمانية وعشرين ألف ألف فدّان، وإنّما يعمر منها ألف ألف فدّان. وقد كشفت أرض مصر فوجدت غامرها أضعاف عامرها، ولو اشتغل السّلطان بعمارتها لوفّت له بخراج الدّنيا (١).
وقال بعضهم: إنّ خراج العراق لم يكن قطّ أوفر منه في أيام عمر بن عبد العزيز، فإنّه بلغ ألف ألف درهم وسبعة عشر ألف ألف درهم. ولم تكن مصر قط أقلّ من خراجها في أيّام عمرو بن العاص، وأنّه بلغ اثني عشر ألف ألف دينار. وكانت الشّامات بأربعة عشر ألف ألف سوى الثّغور.
ومن فضائل مصر أنّه ولد بها من الأنبياء موسى وهارون ويوشع ﵈.
ويقال إنّ عيسى بن مريم - صلوات اللّه عليه - أخذ على سفح الجبل المقطّم وهو سائر إلى الشّام، فالتفت إلى أمّه وقال: يا أمّاه، هذه مقبرة أمّة محمد ﷺ(٢).
ويذكر أنّه ولد في قرية أهناس من نواحي صعيد مصر، وأنّه كانت به نخلة يقال إنّها النّخلة المذكورة في القرآن بقوله ﷾: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ اَلنَّخْلَةِ﴾ [الآية ٢٥ سورة مريم]. وهذا القول وهم، فإنّه لا خلاف بين علماء الأخبار من أهل الكتاب ومن يعتمد عليه من علماء المسلمين أنّ عيسى - صلوات اللّه عليه - ولد بقرية بيت لحم من بيت المقدس (٣).
ودخل مصر من الأنبياء إبراهيم خليل الرّحمن، وقد ذكر خبر ذلك عند ذكر خليج القاهرة من هذا الكتاب (٤). ودخلها أيضا يعقوب ويوسف والأسباط، وقد ذكر ذلك في خبر الفيّوم.
ودخلها أرميا، وكان من أهلها مؤمن آل فرعون الذي أثنى عليه اللّه ﷻ في القرآن، ويقال إنّه ابن فرعون لصلبه، وأظنّه أنه غير صحيح (٥).
وكان منها جلساء فرعون الذين أبان اللّه فضيلة عقلهم بحسن مشورتهم في أمر موسى وهارون ﵈ لمّا استشارهم فرعون في أمرهما فقال تعالى: ﴿قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ * * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ * * قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ، وَاِبْعَثْ فِي اَلْمَدائِنِ حاشِرِينَ * * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحّارٍ عَلِيمٍ﴾ [الآيات ٣٤ - ٣٧ سورة الشعراء].
(١) النويري: نهاية الأرب ٣٤٨: ١؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٣٢: ١. (٢) نفسه: ٣٤٩. (٣) انظر فيما يلي ٢٩٦. (٤) انظر فيما يلي ١٩١، ٢٤١: ٢؛ وقارن الكندي: فضائل مصر ٢٠؛ السيوطي: حسن المحاضرة ٥٢: ١ - ٥٧؛ ابن إياس: بدائع الزهور ٢٩: ١/ ١ - ٣١. (٥) النويري: نهاية الأرب ٣٤٩: ١؛ وفيما يلي ٣١١.