وتربتك مسكة، يدفن فيها غراس الجنّة، أرض حافظة مطبقة (a) رحيمة، لا خلتك يا مصر بركة، ولا زال منك حفظ (b)، ولا زال منك ملك وعزّ. يا أرض مصر، فيك الخبايا والكنوز، ولك البرّ والثّروة، وسال نهرك عسلا. كثّر اللّه زرعك، ودرّ ضرعك، وزكّى نباتك، وعظمت بركتك، وخصبت، ولا زال فيك خير ما لم تتجبّري وتتكبّري أو تخوني، فإذا فعلت ذلك عداك شرّ، ثم يغور خيرك». فكان آدم أوّل من دعا لها بالرّحمة والخصب والرّأفة والبركة (١).
وعن ابن عبّاس أنّ نوحا ﵇ دعا لمصر بن بيصر بن حام فقال:«اللّهم إنّه قد أجاب دعوتي فبارك فيه وفي ذرّيته، وأسكنه الأرض المباركة التي هي أمّ البلاد وغوث العباد، التي نهرها أفضل أنهار الدّنيا، واجعل فيها أفضل البركات، وسخّر له ولولده الأرض، وذلّلها لهم، وقوّهم عليها».
وقال كعب الأحبار: لولا رغبتي في بيت المقدس، لما سكنت إلاّ مصر؛ فقيل له: لم؟ فقال:
لأنّها بلد معافاة من الفتن، ومن أرادها بسوء كبّه الله (c) على وجهه، وهو بلد مبارك لأهله فيه (٢).
وقال ابن وهب: أخبرني يحيى بن أيّوب، عن خالد بن يزيد، عن ابن أبي هلال، أنّ كعب الأحبار كان يقول: إنّي لأحبّ مصر وأهلها، لأنّ مصر بلد معافاة، وأهلها أصحاب عافية، وهم بذلك مصانون (d).
ويقال إنّ في بعض الكتب الإلهيّة:«مصر خزائن الأرض كلّها، فمن أرادها بسوء قصمه اللّه تعالى»(٣).
وقال عمرو بن العاص: ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة، يعني إذا جمع الخراج مع الإمارة (٤).
(a) بولاق: مطيعة. (b) بولاق: بك حفظه. (c) الأصل وبولاق: أكبه اللّه بالهمز، والمشهور: كبّ بدون همز وهو المتعدي (النجوم الزاهرة ٣١: ١ هـ). (d) بولاق: مفارقون. (١) النويري: نهاية الأرب ٣٤٧: ١؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٣٠: ١. (٢) نفسه ٣٤٨: ١؛ نفسه ٣٠: ١؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٢٨٠: ٣؛ ابن إياس: بدائع الزهور ٩: ١/ ١. (٣) القلقشندي: صبح الأعشى ٢٧٩: ٣؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٣١: ١. (٤) مجهول المؤلف: الاستبصار ٤٩؛ النويري: نهاية الأرب ٣٤٨: ١؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٢٧٩: ٣؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٣١: ١، وفيما يلي ٤٥٥.