للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووصف بعضهم مصر فقال: ثلاثة أشهر لؤلؤة بيضاء، وثلاثة أشهر مسكة سوداء، وثلاثة أشهر زمرّدة خضراء، وثلاثة أشهر سبيكة ذهب حمراء. فأمّا اللّؤلؤة البيضاء، فإنّ مصر في أشهر أبيب ومسرى ونوت يركبها الماء فترى الدنيا بيضاء، وضياعها على رواب وتلال مثل الكواكب قد أحيطت بها المياه من كل وجه، فلا سبيل إلى قرية من قراها إلاّ في الزّوارق؛ وأمّا المسكة السّوداء، فإنّ في أشهر بابه وهاتور وكيهك ينكشف الماء عن الأرض فتصير أرضا سوداء، وفي هذه الأشهر تقع الزّراعات. وأمّا الزّمرّدة الخضراء، فإنّ في أشهر طوبة وأمشير وبرمهات يكثر نبات الأرض وربيعها فتصير خضراء كأنها زمرّدة. وأما السّبيكة الحمراء فإنّ في أشهر برمودة وبشنش وبؤونة يتورّد العشب ويبلغ الزّرع الحصاد، فيكون كالسّبيكة التي من الذّهب منظرا ومنفعة (١).

وسأل بعض الخلفاء اللّيث بن سعد عن الوقت الذي تطيب فيه مصر، فقال: إذا غاض ماؤها، وارتفع وباها، وجفّ ثراها، وأمكن مرعاها.

وقال آخر: نيلها عجب، وأرضها ذهب، وخيرها جلب، وملكها سلب، ومالها رغب، وفي أهلها صخب، وطاعتهم رهب، وسلامهم شعب، وحربهم حرب، وهي لمن غلب.

وقال آخر: مصر من سادات القرى ورؤساء المدن. وقال زيد بن أسلم في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ﴾ [الآية ٢٦٥ سورة البقرة]: هي مصر، إن لم يصبها مطر أزكت، وإن أصابها مطر ضعفت، قاله المسعودي في «تاريخه» (٢).

ويقال لمّا خلق اللّه آدم مثّل له الدّنيا شرقها وغربها، وسهلها وجبلها، وأنهارها وبحارها، وبناءها وخرابها، ومن يسكنها من الأمم، ومن يملكها من الملوك؛ فلمّا رأى مصر أرضا سهلة، ذات نهر جار مادته من الجنّة تنحدر فيه البركة، ورأى جبلا من جبالها مكسوّا نورا، لا يخلو من نظر الرّبّ إليه بالرّحمة، في سفحه أشجار مثمرة، وفروعها في الجنّة تسقى بماء الرّحمة؛ فدعا آدم في النّيل/ بالبركة، ودعا في أرض مصر بالرّحمة والبرّ والتّقوى، وبارك في نيلها وجبلها سبع مرّات، قال: «يا أيها الجبل المرحوم، سفحك جنّة،


(١) نقلا عن المسعودي: مروج الذهب ٦٥: ٢ - ٦٦؛ وقارن مع المسعودي: التنبيه والإشراف ٢١؛ النويري: نهاية الأرب ٣٥٧: ١؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٢٨١: ٣؛ أبي المحاسن: النجوم الزاهرة ٣٤: ١ - ٣٥؛ ابن إياس: بدائع الزهور ٣٨: ١/ ١.
(٢) المسعودي: مروج الذهب ٦٦: ٢ - ٦٨.