ربّنا اكشف عنّا العذاب فإنّا … قد تلفنا في الدّولة المغليّة
جاءنا المغل والغلا فانصلقنا … وانطبخنا في الدّولة المغليّة
ولمّا دخل شهر رمضان من سنة خمس وتسعين وستّ مائة، لم يصم أحد من الأويراتية. وقيل للسّلطان ذلك، فأبى أن يكرههم على الإسلام، ومنع من معارضتهم، ونهى أن يشوّش أحد عليهم، وأظهر العناية بهم. وكان مراده أن يجعلهم عونا يتقوّى بهم، فبالغ في إكرامهم حتى أثر في قلوب أمراء الدّولة منه إحنا، وخشوا إيقاعه بهم.
فإنّ الأويرانية كانوا أهل جنس كتبغا، وكانوا مع ذلك صورا جميلة، فافتتن بهم الأمراء، وتنافسوا في أولادهم من الذّكور والإناث، وأخذوا (a) منهم عدّة صيّروهم من جملة جندهم وتعشّقوهم، فكان بعضهم يستفسد (b) من صاحبه من اختصّ به وجعله محلّ شهوته.
ثم ما قنع الأمراء ما كان بمصر منهم حتى أرسلوا إلى البلاد الشّامية، واستدعوا منهم طائفة كبيرة. فتكاثر نسلهم في القاهرة، واشتدّت الرّغبة من الكافّة في أولادهم، على اختلاف الآراء في الإناث والذّكران (c)، فوقع/ التّحاسد والتّشاجر بين أهل الدّولة، إلى أن آل الأمر بسببهم، وبأسباب أخر، إلى خلع السّلطان الملك العادل كتبغا من الملك في صفر سنة ستّ وتسعين وستّ مائة.
فلمّا قام في السّلطنة من بعده الملك المنصور حسام الدّين لاجين، قبض على طرغاي مقدّم الأويراتيّة وعلى جماعة من أكابرهم، وبعث بهم إلى الإسكندرية فسجنهم بها وقتلهم، وفرّق جميع الأويراتية على الأمراء، فاستخدموهم وجعلوهم من جندهم، فصار أهل الحسينيّة لذلك يوصفون بالحسن والجمال البارع. وأدركنا من ذلك طرفا جيّدا، وكان للنّاس في نكاح نسائهم رغبة، ولآخرين شغف بأولادهم (١).
وللّه درّ الشّيخ تقيّ الدّين السّروجي إذ يقول من أبيات:
(a) بولاق: واتخذوا. (b) بولاق: يستنشد. (c) بولاق: الذكور. (١) راجع خبر الأويراتية عند، المقريزي: المسودة ٣٨٦ - ٣٨٨ وقارن مع مجهول: تاريخ سلاطين المماليك ٣٨ - ٣٩؛ بيبرس الدوادار: زبدة الفكرة ٣٠٩ - ٣١٠؛ النويري: نهاية الأرب ٢٩٦: ٣١ - ٢٩٩؛ ابن أبيك: كنز الدرر ٣٦١: ٨ - ٣٦٢؛ ابن حبيب: تذكرة النبيه ١٨٥: ١؛ ابن الفرات: تاريخ ٢٠٣: ٨ - ٢٠٥؛ المقريزي: السلوك ٨١٢: ١ - ٨١٣؛ -